منظمة التجارة وسفراؤنا في الخارج

في لقاء استضافته جريدة "الاقتصادية" يوم الأحد الموافق 27/11/2005م تحدث وزير التجارة والصناعة إلى عدد من الكتاب عن المشوار الذي قطعته المملكة والمسارات التي سلكتها للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. كان حديث الوزير مباشراً وبلغة يسهل فهمها مما جذب انتباه المشاركين ونال استحسانهم لدرجة دعت بعضهم لمطالبة الوزير بتبني هذا الأسلوب في الخطاب ضمن البرامج التي تزمع الوزارة إطلاقها على نطاق واسع للتعريف بالمنظمة وقوانينها، وتوعية شرائح المجتمع من رجال أعمال وجهات رسمية بالاستحقاقات والفرص التي ستترتب على الانضمام إلى المنظمة وأبعادها في المدى القصير وكذا المدى الطويل.
وبالرغم من وضوح العرض الذي قدمه الوزير ووضع الأمور في إطارها الصحيح ولا سيما بعض القضايا التي شابها شيء من التشويش بين العامة، كانت هناك قناعة لدى الحاضرين بأننا بلا شك مقبلون على مرحلة جديدة تتطلب درجة عالية من الوعي للتعامل معها بأسلوب مؤسسي منظم يحافظ على قوة الدفع التي اكتسبها فريق مرحلة التفاوض وفي الوقت نفسه التحرك في الساحة بمرونة وسرعة تتناغم مع حركة الآخرين الذين انتظموا من قبل في مضمار السباق. ليس هذا فحسب بل إن عامل الزمن يقضي بضرورة أخذ زمام المبادرة في مباشرة التعامل مع قضايا المنظمة واستباق الأطراف الأخرى ببلورة رؤية المملكة في القطاعات التي تشكًل أهمية خاصة لها أو كما يُقال إرساء حقائق على الأرض بدلاً من الأسلوب التقليدي للدول النامية وهو رد الفعل على مبادرات الآخرين. كل تلك الاعتبارات تدعو إلى تصميم بُنية غير تقليدية، أو مبتكرة إن شئت، للمؤسسة أو الهيئة التي سيعهد إليها متابعة ملف منظمة التجارة العالمية.
إن السمة الأساس للمؤسسة أو الهيئة المقترحة لا بد أن تكون قدرتها على الحركة بسرعة ومرونة وهما ميزتان تفتقدهما عادة بيئة العمل ضمن قواعد إدارة المال العام وأنظمة الخدمة المدنية. ومن ثم فقد يكون من المصلحة أن يضطلع القطاع الخاص في الصناعة والتجارة والمؤسسات المالية بدور رئيس في تمويل وإدارة تلك المؤسسة أو الهيئة التي ستدافع عن مصالحهم. فأهل مكة أدرى بشعابها، وفي كل الأحوال يبقى الإشراف لوزارة التجارة والصناعة أسوة بتجربة الغرف التجارية الصناعية.
ومما لفت نظري أيضاً في اللقاء مع وزير التجارة والصناعة ما أوضحه أن اللجنة الوزارية المكلفة بمفاوضات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية كانت برئاسة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل وعضوية وزراء التجارة والصناعة، المالية، البترول، الاقتصاد والتخطيط، والزراعة. وهي كما ترى اختيارات تعكس طبيعة الملفات الرئيسة المطروحة للتفاوض وكلها ترتبط بشكل أو آخر بعلاقات المملكة الخارجية في إطارها الشامل ولا يمكن انتزاعها أو سلخها من هذا الإطار بعيداً عن المواقف السياسية للأطراف الأخرى تجاه مصالح المملكة الاستراتيجية. وهذا يقودني إلى طرح الفكرة الرئيس لهذا المقال وهو الدور الجديد الذي يمكن إسناده لسفرائنا في الخارج لرعاية مصالح المملكة التجارية في مرحلة ما بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
قد يقول قائل إن سفارات المملكة تضم عادة ضمن موظفيها ملحقاً تجارياً لرعاية هذا الجانب من عمل السفارة. وهذا صحيح وكذلك السفارات الأجنبية التي تعمل في المملكة تضم كل منها في العادة ملحقاً تجارياً يرصد حركة التجارة بين بلده وبين المملكة، ويزود مراجعه بما قد ُينشر هنا من أخبار وإحصاءات وقرارات. لكن، والبعض من القراء يعرف هذا، إن الاهتمام بالملفات التجارية والاقتصادية لا يقتصر على الملحقين التجاريين أو الاقتصاديين، بل يأتي الاهتمام بها في رأس الأولويات التي يتابعها السفير شخصياً ولا سيما تلك الملفات ذات الشأن لمصلحة بلده المباشرة.
إن إسناد مثل هذه الملفات لسفرائنا في الخارج أصبح أمراً حيوياً يمليه الدور الذي شرعت المملكة في ممارسته كلاعب مهم في ساحة التجارة الدولية حماية لتجارتها وصادراتها المتنامية. ولعل من حسن حظ المملكة أن معظم سفرائها الذين يتشرفون بتمثيلها في الخارج يحملون مؤهلات عالية تجعلهم قادرين على التعامل مع أي ملفات جديدة بفعالية. لكن هنا أيضاً لا بد من العمل المؤسسي المنظم بحيث تُعقد دورات تدريبية لتوحيد منهجية التعامل ونطاقه والإفادة من تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي