مَن سيقود السوق .. الصغار أم الكبار؟

<a href="mailto:[email protected]">hsaleh_sa@yahoo.com</a>

من الأمور التي لا يختلف عليها أن السوق قد استطاع أن ينتشل نفسه من حالة الانهيار بفضل عدة عوامل, فهناك الدعم النفسي الذي تكفلت به توجيهات خادم الحرمين الشريفين، التي اتسمت بالحسم والوضوح وعدم إعطاء الفرصة للبيروقراطية من أن تعطل ممارسة الدولة لدورها في حماية الاقتصاد الوطني، وما يشهده من بدايات انتعاش ينتظر أن يعزز بمرور الوقت, وهناك حالة من الثقة والاطمئنان بمتانة الاقتصاد المحلي وما تضيفه الأسعار العالمية الجيدة والمستقرة لأسعار البترول، والتي عززت من مداخيل الدولة ومكنتها من دعم العملية التنموية بمشاريع كبيرة ومتعددة. وإذا كان الارتداد الذي شهده السوق كان في بدايته بفعل حركة أسهم البنوك والشركات القيادية، فإننا نلاحظ في الفترة الأخيرة أن الشركات الصغيرة ومن ضمنها شركات المضاربة قد استعادت موقعها في قيادة السوق بالرغم من محدودية تأثيرها في حركة السوق صعود إجمالا. الجميع كان يتوقع أن تكون هناك هجرة قوية تدفع بصغار المساهمين إلى الهروب من الشركات المهلهلة إلى الشركات القيادية، وكان لخبراء السوق والاستثمار, ومنهم المحللون الاقتصاديون, دور كبير في تعزيز قناعة هؤلاء المساهمون بعدم جدوى بقائهم في مثل هذه الشركات التي لا مستقبل لها، وإنها مرشحة للمزيد من الانحدار لصالح الكبار والشركات القائدة في السوق. وجاءت تجزئة الأسهم في نظر البعض كعامل آخر سيدفع بالمزيد من صغار المساهمين إلى تنظيف محافظهم من الشركات المتردية والنطيحة، وليقبلوا على مائدة الكبار من الشركات باعتبار أنهم اتعظوا بما حدث، وإنهم تعلموا أن الاستثمار في الأسهم شيء والمضاربة فيها شيء آخر. يحق للكثيرين التأني في الحكم على توجهات السوق لأننا ما زلنا تحت وطأة التأثير النفسي لما حدث في السوق من انهيار حقيقي وليس تصحيحا كما يدعيه البعض، وما أعقب هذا الانهيار من جملة من التنظيمات والإجراءات الهيكلية التي أوجدت مناخا جديدا سينتج لنا بالتأكيد ثقافة جديدة وممارسات مختلفة. ولعل من الأمور الأكثر ترددا في أذهان الناس هو مَن سيحمل السوق الآن ومستقبلا, وهل سيتخلص السوق السعودي ومثله الأسواق الخليجية من ظاهرة المضاربة, وهل سيعود للسوق الهدوء ويتخلى الناس عن فكرة أن السوق والمساهمة فيه هي صناعة ومهنة وحرفة يستطيع الكل أن يجيدها وأن يحسن العمل فيها. بالتأكيد ليس من حق الادعاء بأنه يملك إجابة محددة بخصوص هذا الموضوع، ويكفي ما حدث عندما كان السوق في حركة فيها الكثير من البركة وكان فقهاء السوق لا يبخلون علينا بفتاوى ترفع هذا السهم وتطيح بآخر، والبعض منهم كان يجزم بأن السوق سيرتفع إلى مستوى معيّن في ظل معطيات معينة، ويأتي آخر بجزم معاكس له وفي ظل المعطيات السابقة نفسها. وقبل ذكر بعض النقاط التي قد تساعدنا على تحديد وجهة السوق على الأقل في المستقبل القريب والمتوسط, فإن من الضروري الإشارة إلى أن السوق السعودي للأسهم ليس هو السوق الوحيد الذي فيه مضاربة لأن من طبيعة التجارة بالأسهم هو المخاطرة والرهان على نمو الشركات في المستقبل. وكلنا يعرف شركات كثيرة في أمريكا وأوروبا بدأت صغيرة وبأفكار ومنتجات غير جذابة اقتصاديا، ولكن قد ربح من خاطر في شراء أسهمها وفاز من تمسك في الاستثمار فيها, فالمخاطرة وما يصحبها من مضاربات هي مكون من الطبيعي وجوده في سوق الأسهم، وإذا كانت الصدفة قد عقلنتها عقول الفيزيائيين فإن المخاطر والمضاربات هي الأخرى يمكن عقلنتها وترشيدها بحُسن الإدارة والشفافية والمزيد من التنظيم. في النقاط التالية قراءة ومحاولة لتلمس الجوانب التي سيتشكل السوق في إطارها مستقبلا:
1 - من الطبيعي في أي سوق أن تكون هناك شركات قيادية وقيادتها للسوق تأتي من حجم نشاطها الاقتصادي وحصتها من قيمة السوق. ومن الطبيعي أيضا أن تكون حركة أسهم هذه الشركات تتسم بهدوء أكثر من غيرها باعتبار أن المساهم فيها في الأغلب هو مستثمر بنفس طويل. وفي مقابل هذه الشركات هناك شركات إما مبتدئة وإما هناك أمور مستجدة في هذه الشركات تنبئ بمسار جديد وتطلعات جديدة لها، ونتيجة لذلك فمن الطبيعي أن يتوجه المساهمون من أفراد ومؤسسات لمثل هذه الشركات. وإذا أردنا العودة للسوق السعودي فإن السوق فيه الكثير من الشركات الصغيرة، وهناك حركة ملموسة لإعادة هيكلة بعض هذه الشركات، وبالتالي فمن الطبيعي أن تتعرّض هذه الشركات للكثير من المضاربات، وإن كان المطلوب أن تبقى هذه المضاربات في إطار من الشفافية والانضباط التنظيمي والإدارة المحكمة لفعاليات السوق. فالمضاربات على الشركات الصغيرة والجديدة منها ستستمر، لأننا أولا سوق ناشئة وثانيا أن الانتعاش الاقتصادي الذي تشهده المملكة هو في بدايته، وثالثا أن الشريحة الأكبر من المساهمين، ومن سيلحقهم تعوزهم الثقافة الاستثمارية المطلوبة، وبالتالي ستكون حركتهم في السوق معرضة للذبذبة تبعا لما يسمعون هنا وهناك.
2 - إن الشركات الصغيرة والجديدة عندما تتحرك بشكل محسوس في السوق، فإنها تضفي على السوق أجواء إيجابية يستفيد منها السوق جميعا، وهذا قد يدفع إليه المؤسسات المالية الكبيرة من بنوك وغيرها. فالشركات القيادية في السوق السعودي كانت تستفيد من هذه الأجواء الإيجابية التي تصاحب حركة الشركات الصغيرة ولعل هبوط أسعار هذه الشركات القيادية وبصورة حادة عندما تراجعت الشركات الصغيرة فيه ما يكشف عن حاجة السوق الدائمة لمثل هذه الشركات الصغيرة، والتي بنموها والمراهنة على ازديادها واتساع نشاطها تنبعث الحركة والنشاط في السوق ولكن بشرط ألا تكون على حساب تنظيم وشفافية السوق.
3 - بعد تجربة السوق الصعبة في الفترة السابقة، وفي ظل التغيرات التي صدرت لمعالجة الوضع والتأسيس لحالة جديدة فإنه من المتوقع أن يشهد السوق, إضافة إلى دخول شركات جديدة وبأسس اقتصادية متينة, حركة اندماجات بين الشركات وربما سعي بعض الشركات للاستحواذ على شركات أخرى، وهذا يعني أن الشركات الصغيرة ليس بالضرورة أن تبقى صغيرة إذا ما تجمعت وتنوع نشاطها.
4 - إن تأسيس بنك جديد وكبير بمثل بنك التنمية سيعزز من موقع البنوك في السوق، ولكن على هذه البنوك ألا تنخدع بما حققته من أرباح في الفترات السابقة وهي تعلم علم اليقين أن جزءا كبيرا من هذه الأرباح جاء بفضل احتكارها للتداول في السوق، إضافة إلى ما خصصته من قروض للمساهمين وهذا قد لا يستمر طويلا بفعل التغيرات القادمة. فالبنوك ينتظر منها أن تعزز من فاعليتها ومساهمتها في تحريك الاقتصاد المحلي، وهذا هو الذي سيحفظ لها موقعها ودورها القيادي ليس في داخل السوق فقط وإنما خارج السوق أيضا.

بعد هذا الكلام قد يسأل البعض هل هذا يعني أن السوق ستعود له حمى المضاربات، وأننا سنشهد مرة أخرى أسعارا متورمة للكثير من الشركات الصغيرة، وبالتالي لا بد من حدوث انهيارات أو تصحيحات مستقبلية. إن حدوث مثل هذه الأمور بشكل عام ليس بالضرورة أن يرتبط بعامل واحد معين ومحدد. أما عن عودة المضاربات فإن السوق كما ذكرنا بطيعيته قابل لمثل هذه العودة، ولكن هناك الكثير من المستجدات والعوامل النفسية التي بمقدورها أن ترشد من هذه المضاربات بشرط أن نحسن من توظيفها لصالح المستثمر والسوق معا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي