صناديق الاستثمار.. إفراج أم انفراج؟!
كتبت في مقال سابق بعنوان "صناديق الاستثمار.. احترافية في الأداء أم ضعف في الإنتاجية" تاريخ 31/08/2005 حول أداء صناديق الاستثمار ومدى فاعليتها ونسب الإقبال عليها من قبل صغار وكبار المستثمرين وأدخلتُ تلك الصناديق إلى دائرة التحكيم من حيث إيجابياتها وسلبياتها، وتكلّمتُ عن الإيجابيات الخاصة بتلك الصناديق من حيث المهنية العالية التي تدار بها تلك الصناديق من قبل البنوك وتوافر السيولة والتنوع الذي يقلل المخاطرة، فضلاً عن القيادات المؤهلة لإدارة مثل هذه الصناديق، إلا أنني وفي المقابل تطرقت لكثير من السلبيات، وأهمها عدم الشفافية التي تعتري تلك الصناديق من خلال تسعيرة الوحدات والاسترداد اليومي وعدم إعطاء المعلومة للمستثمر الصغير وحتى الكبير، فالمستثمر في هذه الصناديق هو في الغالب متلقى للنتائج وليس لديه أية معلومة عن كيفية وآلية إدارة تلك الصناديق واستثمارها للأموال المتدفقة عليها، وإذا علمنا أن هناك أكثر من 171 صندوقاً استثمارياً تدير أكثر من 100 مليار فإننا سنكون أمام واقع ملح لتدخل هيئة سوق المال الذي ناديتُ به في مقالي السابق في تاريخ 31/08/2005، وحسناً فعلت هيئة سوق المال عندما أصدرت قراراتها في حلقات النقاش المقامة على هامش اللقاء السنوي الخامس عشر لجمعية الاقتصاد السعودية تحت عنوان "السوق المالية السعودية، الواقع والمأمول" عندما ألمحت وصرحت كذلك أنه سيكون هناك إعداد لائحة تنظيمية لتلك الصناديق تمهيداً للانتقال والإشراف عليها من مؤسسة النقد إلى الهيئة، وكذلك متابعة حركة تلك الصناديق وكيفية أدائها وإعطاء المعلومة الواضحة وأن هناك تقريراً يومياً سيصدر عن تلك الصناديق حتى يكون المستثمر لديه الدراية والعلم والمتابعة المستمرة لاستثماراته في تلك الصناديق، خاصة إذا علمنا أن المستثمر في مثل هذه الصناديق لا يحق له الحصول على أية معلومة إلا بالجهد المضني والبحث المستمر وعدم وضوح المرجعية والمختص بالإجابة، وحسناً كذلك فعلت هيئة سوق المال عندما منحت التصاريح لثلاث شركات تعمل بالوساطة المالية للقيام بإدارة المحافظ، وأتمنى كذلك أن تكون صناديق الاستثمار هي ممن تدخل ضمن هذه التصاريح والرخص الممنوحة لتلك الشركات الأجنبية والسعودية، وعجباً أرى عندما تقوم تلك البنوك بإعطاء نتائج تلك الصناديق الأسبوعية في بعض البنوك ونصف الأسبوعية في بنوك أخرى، فعندما نرى أن مؤشر السوق أغلق على نزول محدد وضئيل فنجد أن أكثر ما يتضرر من هذا النزول هي تلك الصناديق الاستثمارية. وإنني أسأل نفسي في كثير من الأحيان وإن كنت أعلم ومن خلال سماعي بعض العاملين في تلك الصناديق أنها مرتبطة بالمؤشر ارتباطاً وثيقاً وهذا يقلل من كفاءة وإدارة تلك الصناديق، فكيف بصندوق رأسماله لا يقل عن ستة مليارات، على سبيل المثال، ويدار باحترافية متناهية، ويملك البنك المعلومة أكثر من غيره من المتعاملين في الأسهم من خلال محافظهم الاستثمارية الصغيرة أو المحافظ الكبيرة، ولكنك تفاجأ بأن صندوق الاستثمار هذا توارى وتراجع خلال أسبوع بأكثر من 5 في المائة مقارنةً بالنزول المحدد الذي لا يصل إلى تلك النسبة بأي حال من الأحوال. بينما هذا المضارب الصغير تجده يحقق أرباحاً رغم هذا التراجع بل إن التراجع في كثير من الأحيان يعطي ميزة تقدمية لأولئك المضاربين لزيادة أرباحهم من خلال تلك التذبذبات الناجمة من تراجع السوق ومن ثم زيادة المؤشر وارتداده إلى أعلى، لكنك تفاجأ بأن تلك الصناديق ترتبط مع المؤشر وكأنها ارتباط سام "لصيق" لا ينفك عن المؤشر بأي حال من الأحوال، إذا فلماذا نجهد أنفسنا ونصرف على مديري هذه الصناديق؟ ولماذا يكون لهذا الصندوق ربان؟ لماذا لا تترك دفة هذا الصندوق وبشكل عبثي حتى إذا ما ارتفع المؤشر فإن ذلك الصندوق سيرتفع بالتبعية وكذلك في حالة النزول والارتداد إلى أسفل؟ وقد أعجبني مقال قرأته في الإنترنت ذكر صاحبه أنه نشر في جريدة "المدينة" يقول صاحب المقال "نجد أن الصناديق التي تدار من قبل نخبة من الخبراء وتقدر أصولها بمليارات الريالات تقدم هامشاً ربحياً متواضعاً مقارنة بنمو السوق، وفي حال تعرض السوق لموجة تصحيح تتقدم تلك الصناديق قائمة الخاسرين!! وكأن الخبراء والأساتذة أصبحوا تلاميذ في هذه السوق ولم تشفع لهم قراءتهم التحليلية والمميزات العديدة التي يتفوقون بها على المستثمر العادي من سرعة "خطط استثمارية وسيولة عالية لتفادي الخسائر أو حتى التقليل منها.. ويعلل البعض منهم هذا السوء في الأداء "أن الصندوق مازال متفوقاً على أداء المؤشر"، ولكن المفارقة أن هذا التفوق يختفي في حالة تسجيل الشركات للنسب القصوى ارتفاعاً!!" وهذا كلام غاية في الدقة والمنطقية، فنجد أن الصندوق يخسر بشكل مبالغ فيه في حالة تعرض المؤشر عند الإغلاق الأسبوعي إلى هبوط يقدر على سبيل المثال بـ 1 في المائة، فتصل خسارة ذلك الصندوق في الغالب إلى أكثر من 3 في المائة، أما في حالة ارتفاع المؤشر وإغلاقه في نهاية الأسبوع الدوري بـ 7 في المائة، على سبيل المثال، فإن حق الصندوق المكتسب من هذه الربحية لا يتعدى في الغالب 4 في المائة!! وأجد نفسي أمام تساؤل كبير يجعل الجميع يطالب هنا سوق المال بالتدخل السريع لوضع الآلية الكاملة لعمل الصندوق وكيفية إدارته وآلية عمله والقائمين عليه وإعلان نتائجه اليومية وكيفية العمل اليومي الذي يدار به حتى يكون المستثمر على علم واضح من استثماراته الصغيرة والكبيرة ليتسنى للجميع عامل الأمن والاطمئنان على أموالهم ومدخراتهم واستثماراتهم بما يضمن تنمية اقتصادية مستدامة.