نعم جبل عمر ليس أهم من البيت الحرام

دوماً كعادته ككاتب مميز، فتح عضو مجلس الشورى الدكتور عبد الله صادق دحلان، جدلاً ونقاشاً منطقيا حينما تناول في ثلاث مقالات نشرت في صحيفة "الوطن" خلال الشهر السابق عن مشروع جبل عمر العقاري.
وليس حرجاً لي أن أكشف أني كنت أول من انتقد الدكتور عبد الله دحلان، ليس في طرحه وتناوله، لكن وجدت أن "قسوته" ولغته هي سبب إثارة حفيظة الكثيرين، وهو في اعتقادي ما دفعه إلى ختام مقاله بعنوان "الاجتهاد بالرأي لا يقلل من جهد المخلصين الآخرين" فأقفل باب العتاب وفتح باب أحقية الرأي الآخر. إن مقالات الدكتور عبد الله دحلان ومن قبله مقالات أخرى لكتاب وأصحاب فكر مستنير شرفاء صادقين من أبناء هذا الوطن، هي وقود "الحراك" في المجتمع، وأي مجتمع هو، إنه المجتمع السعودي ذو الخصوصية "الحساسة".
وليس مبالغة حينما نقول إن حادثة الدكتور عبد الله دحلان، جددت في ذهني عبارة شهيرة نتداولها جميعاً ولكن للأسف الشديد لا نؤمن بها حقيقة، ألا وهي "لا أحد فوق النقد" ّ!
مؤلم جداً أن يجد أصحاب الفكر والأطروحات أنفسهم مقحمين أمام معادلات "التخوين" و"المصالح الشخصية"، و"المحسوبيات" و"تصفية المواقف"، كما وصل الحال إلى حد القول "قل ما شئت"، ولكن لا تخرجه إلى العلن والعامة.
وليس من باب المثالية أو التقليدية، أن نؤكد أنه لا كمال لبشر ولا عصمة إلا لنبي! ولا كمال لأي عمل مطلق، فالله هو وحده صاحب الكمال المطلق، مما يعني أن كل عمل يقوم به الإنسان ويؤثر في الآخرين فهو قابل للنقد، ونحن جميعاً نجتهد ونسعى إلى الكمال، وإن كنا جميعاً معرضون للخطأ، فالخطأ صفة من صفات البشر، وهو دليل تقصيرنا في بعض ما نريد إنجازه أو عمله.  
ما حدث مع الدكتور عبد الله دحلان وربما مع آخرين سابقين، أعادني إلى ذكرى رائعة في تقبل الرأي الآخر مع معالي وزير العمل والعمال "بصفته العملية" على خلفية قرارات ونسبة السعودة للقطاع الخاص, دون إلزام القطاع العام وعلى الأقل وزارة الصحة ووزارة البلدية والقروية. وهنا أجد نفسي محاولاً توضيح وجهة نظري، واستعارة عنوان الدكتور عبد الله دحلان "الاجتهاد بالرأي لا يقلل من جهد المخلصين الآخرين".
وأقول: إن قرارات السعودة ستكون حبراً على ورق، بحكم واقع التنمية الجبارة في قطاع المقاولات والنقل والصناعة والخدمات والمشكلة الحقيقية مع وزارة التعليم وليس مع وزارة العمل والعمال, لأن السوق تتطلع إلى الوظائف المتخصصة "معالي الوزير": قبل أيام احتفلنا في مجموعة مرعي بن محفوظ بمرور 20 عاماً على شراكة مع مصنع جوتن النرويجية للدهانات، بفضل دعم وزارة الصناعة التي كنت في يوم من الأيام وزيراً لها، وقبل شهر كانت هناك ندوة في الرياض حول الاستثمار الطبي والتي تبوأت السعودية طبياًُ فيها مكانة كبرى بفضل دعمكم السابق أيضاً حينما كنت وزيراً للصحة. "معالي الوزير": قراراتكم الوزارية عادلة من الناحية الاجتماعية, ولكنها من الناحية الاقتصادية أحدثت ضررا بالغا والدليل علي ذلك ما يفشل في السعودية ينجح في دبي, وخير إشارة إلي هذا الموضوع كلمة سمو الشيخ محمد بن راشد, قوله إن مسؤولية الدولة تخريج كوادر وطنية مؤهلة لحاجة سوق العمل وليس توطينهم, لذا فإن القطاع الخاص يرجوك وقفة تعاون لنخرج بمعادلة عادلة تخدم الطرفين, أعانكم الله في تحقيق المعادلة الصعبة!
أعود إلى صلب الموضوع وهو قضية "النقد"، إذ يجب علينا الاقتناع به وبوجوده وأهميته طالما أننا بشر، وهو أمر مقبول من كل كاتب مواطن كان أو مسؤول فهو رأي مجتهد ليس ضد الآخرين، بل معهم نحو الوصول إلى الأمثل! ولا جدال هنا في ميزان النقد الاجتماعي أنه يجب على كل مسؤول أو رجل أعمال، أن يعلم أنه ليس فوق مستوى النقد، فالسلطة والمال ليسا سيفاً مسلطاً على الأمة!
نعلم أن كل رجال الأعمال بدايتهم كانت صعبة وقد كدوا وتعبوا، ومنهم من خاف الله ولكنه لم يطلبه حراماً أو اغتصابا لحقوق الآخرين، لذلك يحفظ الله له رزقه ويبارك له ويرزقه من حيث لا يحتسب. ونعلم أيضاً أن المسؤول عين بسلطة ولي الأمر لمنفعة الأمة وليس تكريما بل تشريف للخدمة العامة.
وربما يرد البعض على ذلك بقوله: إن معايير النقد غير موجودة، فكيف يمكن لكل "من هب ودب" أن يتحدث عن شأن هو بعيد عنه وليس من اختصاصه، والرد على ذلك أمر سهل، فهناك قواعد عامة وخطوط للنقد البناء وضعها حكماء لأصحاب الرأي والفكر والاختصاص، يمكن تلخيصها في التالي:
أولاً: الانتقاد غير العادل، هو جهالة يبطن تحته صنفا من أصناف الحسد، فلا تكن منتقداً كل لحظة وحين، وعليك أن تعرف متى تنتقد ليستفيد منها المنتقد والناقد وليكن لصالح الأمة.
ثانياً: أبذل ما تستطيع من جهد بأمانة وصدق، وتحرى دقة المعلومات واعرض الموضوع على أصحاب الرأي قبل طرح الموضوع وخذ بالرأي الصالح.
ثالثاً: الكمال لله فلنفعل ما يفعله الخيرون أهلُ الصلاح والتُقى، جادل بالحسنى ولنكن واجهة مساعدة في انتقادنا للآخرين ولا يكن انتقادنا بمثابة التجريح.
وهكذا يمكن القول، إن العاقل المتزن هو الذي يتقبل النقد البناء ويعمل جاهداً على الاستماع له ويأخذ ما يفيده منه ويترك زبد الحديث، ويجب أن يتقبل النقد ويتواضع للحوار، وألا يصر على أفكاره وآرائه التي قد تكون خاطئة بحق نفسه ومجتمعه، فالرجوع إلى الحق فضيلة، فليس هناك إنسان معصوم من الخطأ، كما أنه ليس هناك عمل بشري كامل لا يشوبه نقص أو تقصير، فكلنا مجتهدون نسعى وراء الكمال، ولكن الكمال صفة لله وحده.
ومن المنطقي هنا الإشارة، إلى أن كل ذي فكر يجب أن يتسم بمخافة الله في تعظيم الخطأ بعنف، حتى لا يقع في دائرة الحسد والغيرة لكل مسؤول أو رجل أعمال ناجح مثابر في عمله, ويعتقد الكاتب أنة أفهم الناس وأعقلهم، فالنقد البناء مرهون بعدالة الطرح وميزان الرأي المعاكس. والكاتب المؤمن هو جرس الصحوة الإنسانية وضمير الإيمان والإحسان، والكاتب رجل لا يبدي الكلمة إلا إذا فكر، ولا يقدم على العمل إلا إذا تدبر، وإن خدش الآخرين استغفر واعتذر، وإن رأى موعظة اعتبر وامتثل. 
ويقيناً أن على الكاتب التحلي بالعلم والحلم، وأن يلم بقواعد النقد البناء، وأصول التعامل مع الطبقة العليا من المجتمع، وأن نقيس الأمور بميزان العدالة الاجتماعية، ونحن ضد من كان له مقاصد أخرى من وراء دفع الرأي العام لتحقيق غاية شخصية أو ضرر، أو بمعنى أدق النقد الذي دافعه الغيرة والحسد.
والمجتمع السعودي أولا يرفض قبل الجهات المسؤولة من يتطاول النقد الإعلامي بالتجريح للأغراض الشخصية، فهو أسلوب مرفوض شرعا ونظاما، فيجب أن يتأكد الكاتب من مصدر المعلومة ويخرجها بأسلوب العاقل المتزن يوعي بها المجتمع وينبه المخطئ، ولا يسلط سيف الإعلام على العيوب فقط ويظهره، وإنما يقدم الحل ويطلب بتطبيقه عدالة في الميزان والرأي.
ختاما الشكر والتقدير لكل مسؤول تقبل بصدر رحب الاتجاه المعاكس للرأي للوصول إلي الكمال. ومن يعجز عن تقبل النقد ولا يرغب أن يُنتقد يجب ألا يعمل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي