مناشدات المزارعين هل تكون فرصة للمخططين ؟
لم تعد هناك حاجة إلى أن تنتج كل دولة جميع ما تحتاج إليه من سلع أو أن توفر بإمكانياتها الذاتية كافة الخدمات التي تتطلبها حاجات شعبها، فالعالم اليوم يعيش عصر العولمة ومنظمة التجارة العالمية ومن أهم خصائص هذا العصر اعتماد جميع دول العالم على بعضها البعض في إنتاج السلع والخدمات، وظهور الشركات العملاقة العابرة للقارات حتى الدول التي كانت تصنف أنها دول مستهلكة بدأت تأخذ هذه التغيرات بعين الاعتبار وظهرت بها شركات تحاول أن تمد أنشطتها لدول أخرى.
لا توجد دولة اليوم تستطيع الاستغناء عن العالم الخارجي ولا توجد دولة كذلك تستطيع أن تنتج كل ما تستهلكه، حتى الولايات المتحدة نفسها لا يمكن أن تستغني عن النفط الذي تستورده لأنه يعتبر من أهم السلع التي لا يقوم اقتصادها بدونه.
اقتصادنا في المملكة، كما باقي دول العالم، تتوافر له مقومات طبيعية لا توجد في أكثر دول العالم تطوراً وازدهارا اقتصادياً، إلا أنه يعاني أيضا من فقدان مقومات مهمة فالمناخ الجغرافي حار ويتصف بقلة المياه الجوفية والأمطار والتصحر، لذا فلا غرابة أن يساوى برميل الماء لدينا برميل النفط لديهم، فهم يمتلكون جميع عناصر الإنتاج الزراعي ونحن في هذا المجال لا نمتلك أي عنصر، إلا أننا في أنشطة اقتصادية أخرى نتفوق عليهم.
لذا فإن استمرار استنزاف المياه الجوفية لأغراض زراعية يمثل في رأيي أهم القضايا الوطنية التي ينبغي أن تحظى باهتمام كبير فالقضية تشغل بال دول كثيرة لا نقارن بها في حجم احتياطيات المياه ولا في كميات الأمطار السنوية أقول هذا الكلام بعد ما قرأت عدة إعلانات صحفية لمزارعين من مناطق المملكة كافة تناشد القيادة النظر في بعض مطالبها مثل تخفيض أسعار الديزل وتسهيل الاستقدام للعمالة الزراعية و تسهيل أو السماح بتصدير الأعلاف والأهم في رأيي المطالبة برفع أسعار القمح.
وفي رأيي أن قرار دعم القطاع الزراعي الذي بدأ قبل سنوات طويلة عن طريق صندوق التنمية الزراعي كانت له مبررات في حينه لم تعد موجودة اليوم، وهذا يجعل مواصلة هذا الدعم في ظل التطورات الاقتصادية العالمية التي ذكرتها سابقا و التكلفة المالية العالية التي يتحملها الاقتصاد الوطني و ما يتسبب فيه من هدر مائي كبير وخطير ولا سيما أن الموارد المائية شحيحة وقد لا تكفي لمواجهة متطلبات الأجيال القادمة أقول إن مواصلة هذا الدعم تحتاج إلى إعادة نظر.
لا أجد أي مبرر لمواصلة الإنتاج الزراعي إذا كان يعتمد على العمالة المستقدمة وإذا كان يشترى من قبل الدولة بضعفي سعره في الأسواق العالمية وفي ظل استخدامه لمعدات زراعية مستورة تكلف الملايين من الريالات سنوياً والأهم في ظل ما ينتج عنه من هدر مائي كبير نحن في حاجة ماسة لكل متر مكعب منه وربما أن فقده سيكلفنا الكثير وسيجعل أمننا المائي وهو الأهم في نظري من أمننا الغذائي على المحك.
ولكن ما هو الحل ؟ وقد استثمر آلاف المزارعين أموالهم واقترضوا من صندوق التنمية الزراعي وهم ربما يعيشون على ما يوفره الإنتاج الزراعي من عوائد مالية لهم.
الحل الأمثل في نظري وهو ليس الوحيد يتمثل في التالي:
وقف جميع أشكال الدعم والقروض والاستقدام للمزارعين كافة وكذلك التصدير للمنتجات الزراعية من أعلاف وغيرها ووقف شراء القمح والشعير منهم.
شراء جميع المعدات الزراعية التي يمتلكونها مثل البذارات والحصادات والرشاشات المحورية ومكائن المياه وغيرها حسب تسعيرة تشجيعية من قبل الصندوق السعودي للتنمية على أن يتم تقديمها للدول العربية والإسلامية الزراعية كنوع من أنواع الدعم التي دأب الصندوق على تقديمها.
إلغاء كافة مستحقات صندوق التنمية الزراعي على المزارعين.
- منح جميع المزارعين المدرجة أسماؤهم لدى مؤسسة صوامع الغلال أسهما في إحدى الشركات التي تملك فيها الدولة مثل شركة سابك على أن يكون المنح حسب معادلة تأخذ بعين الاعتبار وتناسب عدد الأسهم الممنوحة مع حجم التوريد للمؤسسة كنوع من التعويض.
أعتقد أن هذا الحل سيوفر على خزينة الدولة مليارات الريالات كانت تدفعها لموردي القمح سنوياً وكذلك مئات وربما مليارات أخرى كانت تحول إلى الخارج مقابل معدات زراعية وتحويلات للعمالة الوافدة التي تعمل في النشاط الزراعي والأنشطة المرتبطة به، والأهم في نظري بقاء مياهنا في مكامنها وحفظها للأجيال القادمة ولا سيما نحن اليوم نشرب من مياه البحر وهذا الحل سيرضي كذلك المزارعين وسيوفر لهم حياة كريمة.
أرجو أن تعطى هذه القضية الاهتمام الكافي فالأمر لا ينتظر التأخير لأن المحافظة على أهم الموارد التي نمتلكها ينبغي أن لا يتأخر ودمتم بخير.