البقاء للأفلح .. في غرفة جدة!

على نار ساخنة تدور في هذه الأيام رحى التحضير لانتخابات مجلس إدارة جديد للغرفة التجارية الصناعية في جدة, والمقرر إجراؤها في أواخر هذا الشهر.
وإذا كانت انتخابات غرفة جدة تتسم بالحدة في كل فترة.. إلا أن التنافس الحاد والساخن بين المرشحين في هذه الفترة يكتسب أهمية مغايرة للفترات السابقة، ولعل أهم المستجدات على انتخابات الغرفة هو دخول المرأة لأول مرة في تاريخ الغرفة كعنصر منافس يسعى إلى سحب بعض كراسي المجلس من إخوانهم الرجال.
إن الرمز العم إسماعيل أبو داود غير موجود بين ظهرانينا لأنه انتقل إلى رحمة الله، وعلى الغرفة أن تتجه إلى تغيير الهيكل التنظيمي من الرمز الواحد إلى عدد من الرموز يعملون جنبا إلى جنب للنهوض بالغرفة التي خسرت بلا شك موقع الريادة، وبالإضافة إلى ذلك فإن المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية تلعب دورا كبيرا في جعل هذه الانتخابات بالغة الأهمية.
فعلى الصعيد المحلي فإن الانتخابات المقبلة تشهد دخول المرأة وتشهد دخول جيل جديد إلى حلبة المنافسة، كما تشهد غياب بيوتات تجارية كبيرة عن ساحة المنافسة.
وعلى الصعيد الإقليمي العربي والخليجي، فإن الانتهاء من إنشاء منطقة التجارة العربية الحرة في كانون الثاني (يناير) 2005, أتاح أمام التجارة السعودية مجالاً حيوياً يعود بالفائدة الكبيرة على الاقتصاد السعودي، كما أن تلاحم الأسواق الخليجية سواء في العقار أو في أسواق الأسهم والمال حقق لرجال الأعمال السعوديين مكاسب ومغانم لم يكن لها نظير من قبل في اقتصاديات هذه المدينة (جدة) الاقتصادية العريقة.
أما على الصعيد الدولي فإن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية (وهو إنجاز مظفر).. يجعل حسابات رجال الأعمال السعوديين تختلف تماما عن كل الحسابات السابقة التي بدأت مع بداية حكم الملك عبد العزيز وحتى حكم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
إذن يخوض المرشحون لمجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في جدة انتخابات من العيار الثقيل، وسيترتب عليها أن يقوم مجلس الإدارة المنتخب بمهام تختلف تماما عن مهام مجالس إدارات محمد رضا وعابد شيخ وعبد الله باغفار وسعيد بن زقر وأحمد باعشن ومحمد العوضي وإسماعيل أبو داود وعبد الله زينل. وأقصد بأن مهام مجلس الإدارة المنتخب الجديد لن تقف عند حدود المحلي بل ستتجاوز الخليجي والعربي حتى تبلغ العالمي.
والمؤسف أنني حينما قرأت برامج المرشحين لم أعثر على هذه الأبعاد، بل عثرت، للأسف الشديد، على عبارات تقليدية قرأتها في برامج مجالس الإدارات السابقة مضافاً إليها إدخال الإدارة الإليكترونية في أعمال الغرفة، وكأن ما ينقص الاقتصاد الجداوي والوطني هو الحاسبات الآلية وأنظمتها الجديدة.
ودعونا نسجل لغرفة جدة كأول غرفة تأسست في المملكة، أنها مارست الأسلوب الانتخابي للوصول إلى سلطة مجلس الإدارة بأسلوب حضاري متطور على مدى أكثر من 40 عاماً، ونفذت الغرفة أسلوبا ديمقراطيا انتخابيا نوعيا، وانتشر التنافس الشريف بين الكتل والأطياف، ثم أصبح للمرأة صوت وصوت مرجح يتسابق إليه المرشحون.. حتى مع أنها منعت من الترشيح إلا أن الخطوات المقبلة تنبئ بزوال هذا المنع الذي ليس له نص في هذا النظام ثم حدث التحول الاستراتيجي في تاريخ الغرف التجارية، وأصدر معالي وزير التجارة والصناعة في شعبان 1426هـ قرارا بالسماح للمرأة بالترشح لعضوية مجالس إدارات الغرف التجارية الصناعية.
وفي المشهد تتنافس ثلاث مجموعات رئيسة على كسب مقاعد المجلس الاثني عشر وهي مجموعة المؤسسات الصغيرة ويقودها الدكتور عبد الله دحلان الأمين العام الأسبق للغرفة, وتضم في عضويتها الدكتور خليل دهلوي, عباس عبد الجواد, الدكتور شهاب جمجوم, الدكتور زهير بكري, الدكتور عبد الله مرعي بن محفوظ, وليد البنوي, أحمد المرزوقي, أحمد العلي الحمراني, عدنان متبولي, وحسين شبكشي.
والمجموعة الثانية يقودها رجل الأعمال الكبير محمد عبد اللطيف جميل, وتضم في عضويتها صالح التركي, عبد الله المعلمي, محمد الفضل, مازن بترجي, صالح بن لادن, خالد زيني, زياد البسام, سامي بحراوي, عبد الغني صباغ, محيي الدين كامل, والدكتور عادل بشناق.
أما المجموعة الثالثة فهي مجموعة المرأة التي تشعر بالتحديات التي تواجهها وسوف تتميز بحضورها المكثف مع انخفاض نسبة الغيابات, لا سيما وأن المرشحات يحملن مسؤولية حماية مصالح قرابة ثلاثة آلاف مشتركة.
وترفع المجموعة الأولى (مجموعة عبد الله دحلان) شعار نشعر بمعاناتكم ، بينما ترفع المجموعة الثانية (مجموعة محمد جميل) شعار جدة الرائدة محليا ودوليا. وملاحظاتنا على الشعارين أنهما لا يعبران عن المرحلة بقدر ما يعبران عن ملامسة المشاعر لاستقطاب الأصوات.
ويبدو أن المجموعة الثانية التي تضم عددا من أعضاء مجلس الإدارة الحالي الذين يتقدمهم محمد عبد اللطيف جميل هي الأقرب للفوز بمقاعد الانتخابات لأسباب عديدة منها أنها تركز على جانب الصناعيين في قوائم المتنافسين ومنهم مازن محمد بترجي نائب رئيس الغرفة, صالح محمد بن لادن, ومحمد الفضل، إضافة إلى ثلاثة من الصناعيين المعروفين, هم: صالح على التركي, المهندس عبد الله يحيى المعلمي, ومحيي الدين صالح كامل.
فيما فئة التجار تضم زياد بسام البسام والدكتور عادل أحمد بشناق، ومحمد عبد القادر الفضل، وانضم إلى هؤلاء الثلاثة مثلهم من المرشحين الجدد والذين يخوضون غمار الانتخابات لأول مرة وهم خالد حامد زيني, سامي فؤاد بحراوي, وعبد الغني محمود صباغ. كما أن هذه المجموعة اعتمدت على محاور عمل في المجريات الواقعية لمدينة جدة البهيجة، وما آلت إليه من تخلف وقصور ووعدت بمتابعة تنفيذ احتياجاتها في جميع القطاعات والخدمات ورصد الإحصائيات المتعلقة بالمدينة ومتابعة تطورها المستمر واستشراف مجالات التنمية المتاحة فيها وإيجاد الحلول اللازمة للصعوبات والمعوقات التي تواجه القطاع الخاص.
وكان المفروض أن تكون هذه الانتخابات فرصة لدخول عناصر شابة كثيرة ولكن ما يعاب على الأسماء الشابة التي دخلت حلبة السباق أنها دخلت وهي متواضعة في ملاءتها المالية وفي خبرتها التاريخية، ولذلك فإننا لا نتصور أن شاباً مثل ماهر عبد الصمد بندقجي يستطيع أن يواجه محمد جميل أو عبد الله دحلان.
وإذا تعمقنا في قراءة البرامج وبالذات الكتلتين المرشحتين لكسب المقاعد فإننا نجد أن برنامجهما ليس فيه جديد على برامج الفترة السابقة وما قبلها فالكلام على إدخال النظم الإليكترونية في إدارة الغرفة ليس جديدا وسمعناه كثيرا في انتخابات سابقة، ونعرف جميعا أنه في إدارة ماجد القصبي جرى إعادة هيكلة الغرفة من خلال إحدى المكاتب وكانت إعادة هيكلة إليكترونية ولكن المشروع فشل وأشاع لفترة من الفترات نوعا من الفوضى في الغرفة.
المشكلة الأكبر إن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية وهو الحدث الأهم في التاريخ الاقتصادي للمملكة، لم يكن له وجود مكثف في برامج الكتلتين، ونتصور أن انضمام المملكة إلى المنظمة العالمية، يحمل الغرف السعودية تبعات دعم ومساعدة القطاع الخاص للدخول في عصر العولمة، وهو عصر ما زال ينتابه الكثير من الغموض، فالبعض يراهن على مكاسب وفيرة نتيجة الانضمام إلى المنظمة، والبعض يرى بأن الانضمام سيأخذ من الاقتصاد السعودي أكثر مما يعطي وبالذات في السنوات الأولى بل سيؤدي إلى إغراق الأسواق السعودية بسلع وخدمات أكثر جودة وأرخص سعراً.
أيضا البرامج خلت تماما مما يدور في ساحة سوق الأسهم وسوق العقارات (وسوق النصب!) ودور الغرف في المساهمة في التوعية بأساليب النصب وتصحيح السلبيات الجائرة التي ألحقت أضرارا مؤلمة بالكثير من صغار المساهمين الذين دخلوا في هذه الأسواق بخبرات متواضعة فكانوا بمثابة كبش الفداء.
أيضا من الملاحظات على الأسماء المتنافسة في كل التكتلات الثلاثة أنها خلت من ترشيح البيوت الاقتصادية الكبرى التي كان لها تاريخ مديد وتجارب زاهرة مثل بيت زينل, بيت الفتيحي, بيت سالم بن محفوظ, بيت أبو داود, بيت الناغي, بيت باناجة, بيت الجفالي, بيت الزاهد, بيت باسمح, بيت باعشن, بيت بقشان, بيت ابن زقر, وبيت الشربتلي.
وبذلك سوف يحرم المجلس من وجود شخصيات ثقيلة ورموز اقتصادية حافلة بمالها وتاريخها وكانت مشاركتها في المجلس لها أهمية وفوائد جمة.
وإجمالا نستطيع أن نقول إن تجربة انتخابات غرفة جدة, تجربة رائدة في تنظيمها لكنها ضعفت في أدائها وإرهاصاتها وتحتاج إلى ملامسة الأشياء الكبيرة حتى لا تتقهقر عن غيرها من الغرف السعودية التي سجلت عليها قصب السبق.
الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة من أهم المراحل في تاريخه الحديث، وللأسف لم نقرأ هذه المرحلة في برامج جميع الكتل رغم أن شخصيات مهمة كان يمكن أن تلعب هذا الدور وتقدم برنامجاً يعبر عن المرحلة ويساعد في إحداث النقلة من اقتصاد يسبح منفردا في عالم محلي وإقليمي يموج بالمال والأعمال، وبين اقتصاد يستشرف العولمة والانضمام إلى تكتل عالمي يفرض فواتير قسرية على اقتصاد محلي يفتقر إلى الخبرة الدولية.
وبين هذا وذاك تغيب الرؤية التي كنا ننتظرها في أحد أو في كل برامج المتقدمين لانتخابات الدورة الـ 19 لأول غرفة تجارية صناعية في تاريخ الغرف التجارية في المملكة.
وطالما أن انتخابات المجلس قد أجلت، فإنني أجدها فرصة وأطالب المرشحين بأن يراجعوا برامجهم ويطوروها حتى تعبر بشفافية كاملة عن المرحلة التي يمر بها الاقتصاد الجداوي بصورة خاصة والاقتصاد الوطني بصورة عامة.
ومع كل هذا فإننا نتمنى أن يكون البقاء للأقدح والأفلح والأصلح في مجلس إدارة غرفة جدة حتى يتحقق النهوض للاقتصاد الجداوي الذي عانى من النمو البطيء بعد أن تخلى عن الاقتصاد الأول في حزمة اقتصاديات مدن المملكة الكبرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي