التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لاختناق شوارع الرياض

لم تعد مدينة الرياض تلك المدينة التي تنتشر بيوتها حول وسط مدينتها القديمة التي لا تتعدى أطوال شوارعها محيط دائرتها, بل إنها تعج بملايين البشر وملايين السيارات وتمتد شوارعها عشرات الكيلو مترات في جميع الجهات. إنها العاصمة ومقر الحكومة وجميع السفارات ومركز المال والأعمال وتنتشر مراكزها التجارية بين أحيائها وشوارعها, ما يزيد ازدحامها واختناق شوارعها بالحركة المرورية. إن إفرازات ذلك الازدحام المروري هي التكاليف الخارجية السلبية Negative externalityذات التكاليف الاجتماعية التي يقدم المجتمع قيمتها مجانيا دون أن يدفع مستعملين الطرق السريعة جزءا منها مقابل تلك التكاليف الاجتماعية التي تشمل:
ـ تكاليف الاستثمارات الثابتة من شراء أو استعمال الأراضي لغرض بناء تلك الطرق وتكاليف الآلات المستعملة من سيارات, حافلات, وقطارات.
ـ تكاليف تشغيل الطرق من وقود, وصيانتها, وعماله وتكاليف وقت المستعمل لتلك الطرق في سفره وسهولة الوصول وتكلفة ما يتم توفيره من مرافق خدمية مرتبطة بتلك الطرق.
ـ تكاليف غير مباشرة من اختناقات مرورية وتلوث البيئة.

هكذا يؤدي دخول مستعملين إضافيين إلى الطرق السريعة المزدحمة إلى زيادة تكاليف استهلاك الوقود التي تتصاعد مع تكرار الوقوف وطول فترة الانتظار حتى نهاية الجهة المقصودة التي تصاحبها تكلفه ضياع الوقت التي قد تعادل قيمة أجرة العامل في الساعة (10 ريالات تقريبا) والخسارة الإنتاجية المرتبطة بتأخر العامل عن أداء عمله, ناهيك عما ينتج من ذلك من تلوث بيئي يكون له انعكاسات حقيقية تضاعف من تكاليف المجتمع مرة ثانية. فإن المنافع الاجتماعية التي تعود من وجود المواصلات تعادل مجموع المنافع الخاصة لكل الأفراد الذين يرغبون في استعمال تلك المواصلات إما للتسوق أو المتعة أو لتنقل البضائع بين المناطق المختلفة. لكن سرعان ما تتحول تلك المنافع الاجتماعية إلى تكاليف باهظة ترهق عاتق المجتمع ككل ماليا وصحيا إذا لم تتدخل الحكومة المحلية في معالجة هذا الفشل السوقي وتصحيح ذلك الخلل الذي يرفع من التكاليف الاجتماعية عندما تصبح ظاهرة الاختناقات المرورية في الطرق السريعة شبه يومية تتجاوز تكاليفها الاجتماعية مع زيادة عدد المستعملين التكاليف الخاصة لهؤلاء المستعملين أنفسهم لتشكل تلك الزيادة الفرق بين التكاليف الاجتماعية والخاصة الجوانب السلبية الخارجية التي تزيد من تكاليف السفر وطول مدة الرحلة. هكذا نستطيع القول إن نقطة توازن منافع الطرق السريعة مع تكاليفها يمكن أن يحدث عند النقطة التي تتعادل فيها المنافع الحدية للمجتمع مع تكاليفه وهي النقطة التي لا يحقق عندها السائقون أقصى منافع ممكنة ولا تتعادل منافعهم الحدية مع تكاليفهم دون أن تتجاوز التكاليف الاجتماعية تكاليف السائقين وبصفة خاصة في أوقات الذروة في فترتي الصباح والظهيرة عندما تبلغ التكاليف الاجتماعية والخاصة أعلى مستوياتها وبشكل مطرد, لذا لم تتوافر القدرة الاستيعابية لتلك الطرق السريعة مع احتمالية ارتفاع عدد السيارات في هاتين الفترتين. إذا نحن نتكلم عن الآلية التي تؤدي إلى زيادة فعالية استعمال الطرق السريعة عند النقطة التي تتساوى فيها التكاليف الحدية الاجتماعية مع المنافع الحدية الخاصة وذلك من خلال فرض رسوم تضيق الفجوة بين تكاليف المجتمع والمنافع الخاصة للمستعملين لمنع حصول الاختناقات المرورية وحدوث ما يسمى اختناقات الأعناق القارورية Bottlenecks في شبكة المواصلات الحالية.
ففي هذا الصدد ستتم مناقشة التكاليف الاجتماعية المرتبطة بتكلفة الوقت التي يضيفها كل سائق جديد يستعمل الطرق السريعة ليتحملها السائقون الموجودون في تلك الطرق قبل دخول ذلك المستعمل الجديد. إن المشكلة هنا إذاً هي ازدحام الطرق السريعة الذي ينتج عنه تعطيل الحركة المرورية, وكيف يتم تقييم هذه التكاليف التي يتحملها المجتمع, وما الوسائل التي تستطيع الحكومة أن تستعملها للحد من ظاهرة الازدحام في الأوقات العادية وأوقات الذروة طبقا لآليات معينة تطبق رسوما مختلفة Toll لتحقيق أكبر قدر من الفعالية لاستعمال تلك الطرق. إن حل تلك المشكلة بعيدا عن مرحلة تصميم وبناء تلك الطرق التي من المفروض أن يراعى فيها شروط السلامة واستمرار الحركة المرورية دون توقف متكرر كما هو حاصل في طريق الملك فهد وغيره ليأتي دور الحكومة المحلية الفعلي لتحديد أوقات الذروة التي تتعرقل فيها الحركة المرورية في الطرق السريعة, ما يحولها إلى طرق سلحفائية ينتج عنها تكاليف اجتماعية حتى يتم تحديد رسوم متباينة لفترات الذروة والعادية من أجل تقليص حجم تلك التكاليف المجانية وزيادة فعالية تلك الطرق. فما علينا إلا أن نستقرئ الحلول التي يطبقها العديد من دول العالم لتخفيف ازدحام طرقها السريعة وما على الحكومة المحلية إلا استخلاص القرارات المناسبة لجعل مستعملي الطرق السريعة في أوقات الذروة يدفعون تكلفة تعطيل المستعملين الآخرين الذين يهمهم عامل الوقت ويرغبون في دفعه تكلفة ما من أجل توفير وقت رحلتهم من منازلهم إلى مقار أعمالهم. إن التكاليف الجانبية للسيارات التي تستعمل الطرق السريعة يتحمل قيمتها المجتمع وينتج عنه ارتفاع في استعمال الطرق واستهلاكها عند أسعار مجانية ما يستدعي تدخل الحكومة المحلية لتخفيض طلب استعمال السيارات على تلك الطرق حتى لا تتفاقم تلك الظاهرة في المستقبل. إن القصد من تلك الرسوم أن تدفع السائق إلى تقليص عدد رحلاته غير الضرورية في الأوقات التي تكون الرسوم فيها مرتفعة، فكلما كانت تلك الرسوم مرتفعة, أرغمت هؤلاء السائقين على استعمال طرق الخدمة وتحمل تكلفة ازدحامها التي قد تزيد على تكلفة تلك الرسوم. وإذا ما صاحب فرض رسوم على الطرق السريعة رسوم أخرى على الوقود, أصبح استعمال الطرق أكثر فعالية, وعلى كل سائق أن يختار بين الرسوم أو الوقوف لفترة طويلة في الازدحام المروري. وستتم مناقشة بقية الموضوع في الحلقة المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي