هذه الفئة تستحق أيضا عطف خادم الحرمين الشريفين

استبشر موظفو الدولة والمتقاعدون والمستفيدون من إعانات الضمان الاجتماعي بالزيادات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ابتداء من راتب شهر رمضان الحالي، وهو الأمر الذي انطوى على بعد نظر وحكمة تتجاوز الزيادات في حد ذاتها، إذ إنه راعى استفادة صغار الموظفين أكثر من غيرهم، ولم تقتصر الزيادة على هذه الفئات بل إن الخير طال الوطن كله في صورة اعتمادات إضافية من فائض الميزانية خصصت لمختلف أوجه التنمية، مثل الإسكان والتعليم والصحة وغيرها. والفائدة الأخرى التي حققها الأمر الملكي هي أنه حفز مؤسسات وشركات القطاع الخاص على التأسي بالدولة، فزادت من رواتب موظفيها، ومنها من حدد حدا أدنى للرواتب، وعموما فإن النفع سيعم إن شاء الله الجميع سواء مباشرة أو غير مباشرة، غير أن هناك فئة من المواطنين تعد أكثر احتياجا إلى العون، ومع ذلك لم تشملها تلك الزيادات، وهم المستفيدون من المعاش التقاعدي بعد وفاة صاحبه، أي زوجته أو زوجاته، وأبناءه ووالديه، ومن كان يعولهم شرعا، فهؤلاء طبقا لنظام التقاعد المدني ونظام التقاعد العسكري (يرجع إلى المادتين 23 و24 على التوالي) يقتسمون المعاش التقاعدي بعد وفاة صاحبه بالتساوي إذا بلغ عددهم ثلاثة فأكثر.
وحيث إن هناك فئة من المتقاعدين لا يحصلون إلا على الحد الأدنى من المعاش التقاعدي، وهو مبلغ 1500 ريال بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 183 الصادر بتاريخ 24/9/1419هـ، الذي سيصبح 1725 ريالا بعد الزيادة الأخيرة، فإن هذا المبلغ يوزع على الورثة بالتساوي إذا كانوا ثلاثة فأكثر، دون تحديد حد أدنى لما يحصل عليه الفرد منهم، ومعنى هذا أنه لو كان هناك موظف توفي عن أربع زوجات ولديه عدد من الأبناء يبلغ 30، وكان يعول أيضا والده ووالدته فإن مبلغ الـ 1500 ريال الذي سيكون 1725 ريالا سيقسم بالتساوي على 36 شخصا ويصبح نصيب الواحد منهم أقل من 50 ريالا، وهناك حالات قائمة في المجتمع من هذا القبيل وأقل عنه.
هذا بالنسبة إلى وضع المتقاعدين عموما، المشمولين بنظامي التقاعد المدني والعسكري، أي أن هناك أسرا تستفيد من معاش الأب بعد وفاته ولكن نصيب الفرد منهم لا يبلغ 50 ريالا.
وهذا الوضع الغريب يشمل أيضا المستفيدين من الحد الأدنى لمعاش التقاعد في التأمينات الاجتماعية، وهو ذاته الحد الأدنى المماثل لما في نظامي التقاعد المدني والعسكري، أي أن مبلغ 1500 ريال الذي سيتم رفعه إلى 1725 ريالا طبقا لما قرره مجلس إدارة مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وإن كان نظام التأمينات الاجتماعية قد نص على ألا يقل النصيب الذي يدفع داخل المملكة لأي فرد من أفراد العائلة عن 300 ريال (المادة 35)، إلا أنه ربط هذا الحد بشرط قضى على إمكانية الاستفادة منه، وهو شرط ألا يتجاوز مجموع أنصبة المستفيدين متوسط الأجر الذي قدرت على أساسه عائدة المشترك المتوفى، أو 1500 ريال الذي أصبح 1725 ريالا كما ذكرنا، أي الحدين أكثر، أي أنه إذا كان عددهم ستة فأكثر وكان متوسط الأجر الذي قدرت على أساسه العائدة قليلا فإن نصيب الفرد سيقل عن الحد الأدنى المحدد بموجب المادة 35 وهو 300 ريال، وربما يصل إلى أقل من 50 ريالا تبعا لعدد المستفيدين، كما رأينا بالنسبة للواقعين تحت مظلة النظامين المدني والعسكري. ومعنى هذا الكلام أن المستفيدين من مظلة التأمينات في هذه الحالة ليسوا أحسن حالا من غيرهم المشمولين بالنظامين الآخرين، والمحصلة، التي أرجو أن تكون واضحة، هي أن جميع الورثة المستفيدين من معاش صاحب المعاش المتوفى الذي كان يحصل على الحد الأدنى متساوون في ضآلة ما يحصلون عليه من نصيب من هذا المعاش قد يقل عن 50 ريالا للفرد. والمعروف أن الهدف من إيجاد أنظمة التقاعد والاهتمام بتطويرها في أي دولة هو ضمان توفير مستوى معقول من العيش للموظف ولمن يعولهم سواء في حياته أو بعد مماته، أو عجزه أو بلوغه سن الإحالة إلى المعاش، وهو أمر تهتم به الدول وتستفيد منه، لأنه يرفع من مستوى الحياة الاجتماعية، ويخفف من مواجهة مشاكل الفقر والعجز، ويؤدي بالتالي إلى تضييق المجال على انتشار الجرائم المرتبطة بالجهل والفقر والبطالة.
ومن ناحية أخرى، فإن أنظمة التقاعد مبنية على أمر أساسي وهو مبدأ التكافل، فصندوق التقاعد هو صندوق ادخار لكل العاملين، يشاركون فيه بحصص غير متساوية، ويستفيدون منه بحصص غير متساوية كذلك، ومنهم من لا تؤهله خدمته للحصول على ما يكفيه. ومن هذا المنطلق كفلت الأنظمة حدا أدنى للمعاش يختلف من دولة إلى أخرى ولكنه يقوم على مبدأ تكافلي يكفي الحدود الدنيا لمتطلبات الحياة.
وقد يتساءل البعض: ألم يكن هذا المعاش، أي الحد الأدنى، يكفي الموظف المتقاعد هو وعائلته في حياته؟ فلماذا لا يكفيهم بعد مماته؟ والرد المنطقي هو أنه قد يكون لدى الموظف مصدر آخر للدخل يساعده على إكمال النقص الذي لا يوفره المعاش، فانقطع هذا المصدر بوفاته، فضلا عن أنه في حياته كان يعيش مع أسرته في منزل واحد، الأمر الذي قد يتغير بعد وفاته ويتفرق أفراد الأسرة، أو يطالب كل منهم بتسلم نصيبه بنفسه.
وإذا التفتنا إلى وضع مؤسستي التقاعد والتأمينات وجدنا أنهما تتمتعان بمراكز مالية قوية، تدعمها استثمارات متنوعة كبيرة، فضلا عن ملاءة الشريك الرئيسي لهما، وهو الدولة، فيما يختص بالاستثمارات في السندات الحكومية، ويقوم عليهما رجال مخلصون، كما نظن فيهم، يعملون على تنمية أموال المتقاعدين ونحسب أنهم بالتالي سيدعمون أي توجه يؤدي إلى تحسين وضع هذه الفئة ويزيل ما قد يكون لديهم من مظاهر البؤس والفاقة.
هذه هي الصورة التي قد لا تكون واضحة للبعض، كما أنها قد لا تكون موضحة لولي الأمر قبل إصدار أمره التاريخي بالزيادات، التي كان من المؤكد أنها ستشمل هذه الفئة، خاصة في هذا الوقت الذي تتدفق فيه الخيرات ويتحرى فيه ولي الأمر أوجه الإصلاح والعدل والرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر.
إنني لا أقدم مقترحا محددا لمقدار الزيادة التي تضاف إلى ما تحصل عليه هذه الفئة، غير أنه ينبغي ألا يقل ما يحصل عليه الفرد عن الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الضرورية.
والله من وراء القصد..

كاتب في الشأن العام
فاكس: 4705374

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي