البيروقراطية تعوق الاستثمارات المحلية
لا أعلم لماذا تتأخر كثير من الأجهزة الحكومية التي لها علاقة بمشاريع القطاع الخاص واستثماراته في نفض غبار التعاميم والتعليمات والاشتراطات التي تتزايد كل عام وتشكل مجتمعة حجر عثرة أمام كل راغب في استثمار أمواله داخل البلد؟ فبدلا من أن تسارع تلك الأجهزة بإعادة دراسة اشتراطاتها وتقييم خدماتها نجد أن أكثرها تتعسف في تطبيق النظام وتتأخر في خدمة المستثمرين الذين لا يحتاجون فقط لتسهيل الاشتراطات وخفض التكلفة والوقت اللازم للحصول على التراخيص بقدر ما يحتاجون إلى مبادرات تجتذبهم ومزايا تحفزهم وخدمات تتوازى مع أقرانهم الأجانب.
في ظني أن تلك الأجهزة تتسبب اليوم في هروب جزء من الرساميل الوطنية إلى خارج الوطن وتجبر أخرى للوقوع في مخاطر توظيف الأموال التي تنتشر علانية دون حسيب أو رقيب والأهم من ذلك أن الأموال المفترض استثمارها في مشاريع إنتاجية تتجه بسبب تلك العراقيل إلى قنوات استثمارية لا يستفيد منها الاقتصاد الوطني كما ينبغي مثل اتجاهها إلى سوق المال الذي ضاق بها في ظل ضيق قاعدته وعدم طرح شركات جديدة تستوعب تلك السيولة.
اليوم يحتاج أي مشروع استثماري لكي يرى النور لمراجعة أكثر من دائرة وكل واحدة منها لها اشتراطات معقدة تهدر وقت المستثمر وتزيد تكلفة مشروعه في وقت تتسارع الدول كافة حتى المتخلفة منها إلى تسهيل الإجراءات وتبسيطها أمام الرساميل.
فعلى سبيل المثال ما زالت وزارة التجارة والصناعة تشترط شهادة من البلدية تفيد بوجود مقر مؤثث للمنشأة قبل استخراج السجل التجاري!! وما زال العاملون في السجل التجاري يؤخرون استخراج السجلات للمنشآت التي لا يرغب أصحابها في استخدام أسمائهم الشخصية لمنشآتهم، فلدى كل واحد منهم معجم لغوي يستند إليه لاستخدامه كحجة في رفض الاسم التجاري، وما زال قرار منع الموظفين الحكوميين من مزاولة النشاط الاستثماري ساري المفعول على الرغم من أن زميله في القطاع الخاص يستطيع ممارسة النشاط نفسه إضافة إلى عمله .
ستجد أن لكل نشاط شروطا خاصة ومعقدة كما ذكرت وهذا يدلل على أن البيئة الاستثمارية ما زالت طاردة بدلا من كونها جاذبة.
كيف تتجه الرساميل إلى المشاريع الإنتاجية في ظل تلك التعقيدات؟ وهل يحق لنا أن نلوم أصحابها عندما يهاجرون بها للخارج؟ وهل ساهمت تلك البيئة في انتشار ظاهرة توظيف الأموال والاستثمار في الأسهم والعقارات؟ أعتقد أن الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى كثير من الجهد للوصول إليها.
ولكن لعلنا نتساءل لماذا يحصل كل ذلك في مرحلة نحن أحوج فيها إلى كل ريال يستثمر داخل المملكة؟
من وجهة نظر خاصة أعتقد أن عدم وجود خطة وطنية شاملة ودليل إجراءات يعد من قبل قانونيين أكفاء لأنواع الاستثمارات والتراخيص كافة للمستثمرين من داخل المملكة هو السبب الرئيس، فلقد ترك الأمر لاجتهادات موظفين لا تتوافر فيهم الكفاءة الإدارية وتنقصهم النظرة الشمولية لمتطلبات المرحلة وهذا ما جعل الاشتراطات تتزايد كل عام.
وقبل أن أختتم هذا المقال أقول إن أغلب المدخرين هم من الموظفين الحكوميين وهم لا يحبذون ولا يرغبون ربط مدخراتهم بفوائد بنكية وأيضا فأغلبهم يحتاج إلى الاطمئنان لنجاح مشروعه لكي يستقيل من عمله ليوفر فرصة لمواطن آخر .
كاتب اقتصادي