بوضوح الشمس: فعلا .. ما هو الإرهاب؟!
رسالة وردت لبريدي الإلكتروني من شاب وقع تحت اسم همام، وهو يسأل عن معنى الإرهاب ويقول همام: أنه كلما أدار محطة أو سمع من أي جهة أو معسكر يجد الكل يتنابذ بصفة الإرهاب، وهمام ''لا يريد أن يختلط عقله'' لذا فإنه يود أن يفهم هذه الكلمة وما معناها الحقيقي، وهنا ينتهي سؤال همام. ورحت أفكر إن كان مفيدا شرح الكلمة التي هي على كل لسان في الأرض، وخفت التعقيد كما توجست من الضحالة، ولكن الشباب هم بؤرة اهتمامنا، وبالتالي عزمت الإجابة بأبسط الطرق مباشرةً، وأكثرها، فيما ارتاحت له نفسي، حقا واعتدالا..
الحبيب همام:
أول ما أقول لك عن الإرهاب أنه الفعل المجرم الذي يفزع الآمن بغير سبب، وهو الذي يسلب حقا من أيٍ كان من دون سبب، وهي صفة للذين يسمحون لأنفسهم ما يحرّمونه على الآخرين، وهم الذين يستأثرون بأي رأي وحدهم ويناصبونك العداء والقتال إن حاولت النقاش بكلمة من رأي آخر..
كلمة الإرهاب اليوم صارت الأكثر تداولا في أي لغة منطوقة، ثم أن لكل فئة أو مجتمع أو عنصر تفسيرا مصلحيا للإرهاب، فكل الأطراف يدعون أنهم طيبون وفي حالهم إلى أن يعتدى عليهم الإرهابيون، وهم أصحاب حق إن ارتكبوا ذات الفعل. وتجد أن كل الأطراف تتنصل من صفة الإرهاب بدءا من دولة بنيت على الإرهاب، إلى حثالة من المرتزقة في أي مكان من العالم يتم تجميعهم لتنفيذ واحدة من هذه الحوادث القذرة التي نسمعها في العالم في كل يوم.. والضحية لا أحد يسأل عنه وهو هذا الضمير الذي نام، والضحايا هم هؤلاء الأبرياء الذين يدفعون ثمنا حارا من دمائهم وتنقصف حياة أهاليهم من بعدهم.. ولا هم يدرون لماذا عليهم أن يموتوا منتفين أشلاء، بسبب أن طرفين أو أكثر، كل منهما أو منهم يدعي أنه يحارب الإرهاب..
نود أن أقول إن الإرهاب صار غطاء وصار وسيلة، وأتفق معك يا همام، فنحذر بأن تفسيرا غيميا ضبابيا لهذ الكلمة ستؤثر في أجيالنا.. لا بد أن يعاد تفسير هذه الكلمة حتى لا تقع أجيال في تيار صعب نغرق فيه، ثم لا ندري هل نحن مع الإرهاب أم ضده..
نرغب فعلا بتنشئة هذا الجيل الحاضر والأجيال القادمة على إيضاح الارهاب كصفة وكمعنى، والإرهاب كفلسفة تبريرية، والإرهاب كعمل حركي. ونحن نعتقد أن الإرهاب كلمة مفهومة جدا، ولن أغوص وإياكم في بحر من التفاسير المغرقة بالعمق فهذه يتحفنا فيها كثير من الكتاب في كل وسيلة إعلامية.. ولكني سأضرب مثلا فيما سيأتي، لا يعبر عن سذاجة، ولكن على البساطة والسهولة والمنطق الأخلاقي في التعامل بين الناس.. وهذا مثل نقيس عليه الأشياء مما كبرت وتعقدت، وأريد أن أقول لك شيئا يا همام، أنه لا عقيدة على الأرض تحبذ الإرهاب أو تدعو إليه.. إلا إن كانت عقيدة موضوعة من مفكرين يسكنهم الإرهاب، ومدارسهم كثيرة وعمت أرجاء الأرض، ودفعت الشعوب دماءها ثمنا لها..
وعندما نتكلم عن العقائد فإننا لانرى بحكمنا كمسلمين، إلا هذا الدين الذي اسمه ينبع من السلام والسكينة، فإذا هو هذه الأيام بيرق أسود يحمله من يضج في قلبه عواء الوحشية فيتدثر بهذا البيرق وما هو لنا من قريب ولا من بعيد. ومن جهة أخرى هذه الموجة التسونامية في بعض فكر العالم الغربي واليهودي الذي صار يصنف الإسلام بأنه دين إرهابي أو أنه يدعو للإرهاب، أما الذي يزيد من همـنا فهو أن بعضا منا هم من المصدقين، وبعضهم اعتلى أي منبر لكي يرمي على رؤوسنا اتهامات الآخرين مبشرا بها أكثر منهم..ل
وأعود إلى المثل الذي أشرت إليه قبل استرسالي، وهو في مسألة التعامل الأولي بين الأفراد، فلو أن فردا أخذ حجرا لأي سبب وقذفه على رأسك فهذا عمل إرهابي مهما كان المبرر مادام أنك لم تعتد عليه جسديا.. وهذا إرهاب صرف. إن رددت عليه بنفس الطريقة فأنت هنا لست إرهابيا ولكنك سمحت ببدء معركة سيدفعك كل منكما ثمنا باهظا من جرائها، إن أخذت الطرق والإجراءات القانونية فأنت هنا رجل عاقل متمدن يطالب بحقوقه.. وهناك حكومات تنكل بناسها وهذا إرهاب، إن ثاروا واحتجوا بالطرق العاقلة والوسائل الواعية فهم يطالبون بحياتهم الكريمة.. ولكن إن دمروا بلدهم بالمظاهرات الغبية التي تخرب الأملاك الوطنية والخاصة، ويموت ويجرح بها الناس، فهم يحشرون في نفس الصفة الإرهابية.. وهناك الذي يسرق نهارا جهارا من موقع سطوته، فهو إرهابي ولا تجوز صفة أخرى عليه.. والذي يدعم هذا النوع الفاضح من الإرهاب فلا بد أن ينحشر في صفة أعلى من الإرهاب إن وجدت! وإن قاوم الضحية بأي طريقة وسميته إرهابيا..فهنا ضاعت الكلمة بل إن اللغة بكاملها أصيبت بعمل إرهابي..
مع كل ما قلناه، فإن قتل من لا ذنب لهم والغافلين والأبرياء ليس من المبرر العقلي والمنطقي والوجداني لأي إنسان أن يختلف حول أنه الإرهاب في أقصاه..
الحبيب همام:
.. لا أجد تفسيرا آخر للإرهاب غير هذا..