خبراء: أسعار النفط وصلت إلى القاع وستبدأ الصعود
سيعود العامل السياسي والتوترات الأمنية إلى لعب الدور الأكبر في التأثير على مسار الأسعار في المستقبل المنظور ابتداء من هذا الأسبوع، ومن نقطتي الاشتعال في كل من إيران، نيجيريا، فإيران، ثاني أكبر مصدر للنفط داخل منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، أعلنت يوم أمس أنها غضت النظر عن فكرة الاستعانة بروسيا لتخصيب اليورانيوم، وهي ستركز بالتالي على القيام بهذه العملية في أراضيها، وأن الخيار الروسي لم يعد قائما بالنسبة إليها.
من ناحية أخرى، فإن الأمور في نيجيريا، أكبر منتج ومصدر للنفط في القارة الإفريقية، يبدو أنها تنزلق نحو مزيد من الاضطراب، فإلى جانب المصادمات التي ارتفعت وتيرتها بين القوات الحكومية وحركة تحرير دلتا النيجر، فإن قيام لجنة برلمانية يسيطر عليها الأعضاء في حزب الشعب الديمقراطي وهو حزب الرئيس أولسيجون أوباسانجو بتقديم توصية للنظر في تعديل الدستور بما يسمح لأوباسانجو بالترشيح مرة ثالثة لرئاسة الجمهورية، بعد أن تنتهي ولايته الثانية العام المقبل، أصبح ينظر إليه بصورة عامة أنه مسعى من أوباسانجو للبقاء في سدة السلطة بكل ما يحمله هذا من تبعات وإضافة عنصر قلق إضافي إلى وضع الصناعة النفطية النيجيرية الذي يشوبه الاضطراب، وهو ما أدى إلى وقف نحو 20 في المائة من الصادرات خلال الشهرين الماضيين.
قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي تحويل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن زاد من حدة الملاسنة مع طهران وبطريقة تسهم في إثارة الارتباك أحيانا، ففي الوقت الذي كان فيه ممثل طهران يطمئن رفاقه في "أوبك" في أثناء لقائهم الأسبوع الماضي في فيينا بأن إيران لن تلجأ إلى خيار وقف صادراتها النفطية، فإن رصيفه في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة في اليوم ذاته وفي جزء آخر من مدينة فيينا كان يهدد الولايات المتحدة بالأذى والألم فيما إذا حاولت إيذاء إيران.
القناعة التي بدأت تترسب لدى المتعاملين في السوق أن هدف واشنطون النهائي هو تغيير النظام في إيران، وذلك لتسديد حسابات قديمة ومتجددة خاصة مع تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس التي تعتبر إيران البنك المركزي لدعم الإرهاب، وأحاديث نائب الرئيس ديك تشيني أن بلاده لا تستبعد أي خيار، الأمر الذي يشير إلى تنامي احتمالات إلى سجال طويل الأمد بين الجانبين، خاصة وإيران في وضع لها يسمح بالتصدي كونها بلدا كبيرا وبعدد سكان لا يستهان به. ومن أوائل البطاقات التي تتمتع بها إيران أنه يمكنها الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي مثلما فعلت كوريا الشمالية قبل ثلاث سنوات. فكرة الحظر التي ستفرض على إيران ولو من قبل مجلس الأمن لن تكون فعالة لتمتع الأخيرة بشواطئ تمتد على مسافة 1500 كيلو متر، كما أن لها حدودا أرضية مشتركة مع سبع دول، وما يمكن أن تثيره من متاعب للأمريكان في كل من العراق وأفغانستان، حيث تتمتع بنفوذ قوي هنا.
وكل هذا يسهم في تعقيد الصورة بالنسبة للسوق النفطية ويجعل للعامل السياسي والأمني القدح المعلى. والسؤال ما إذا كانت إيران ستلجأ إلى خيار السلاح النفطي كما تهدد أو تعطي الانطباع أحيانا. والاحتمال الأكبر ألا تفعل ذلك، لأنها ببساطة تحتاج إلى العائدات المالية، لكن يمكنها خفض حجم الصادرات لإبقاء الضغط ورفع الأسعار.
تحركات السوق في الأسبوع عكست هذه الأوضاع، فيوم الخميس ارتفعت الأسعار مجددا بعد ثلاثة أيام متتالية من التراجع المنتظم، وذلك إثر تنامي الحديث عن الوضعين الإيراني والنيجيري، رغم النمو في حجم المخزونات الأمريكية وانتهاء فصل الشتاء.
إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أوضحت في تقريرها الأسبوعي أن مخزونات الغاز الطبيعي شهدت سحب 85 مليار قدم مكعب فقط في الأسبوع المنتهي في الثالث من هذا الشهر، وأن ما تبقى يزيد بنحو 54 في المائة من معدل خمس سنوات. وبالمعدلات العالية المتوقعة للحرارة، فإن المخزون مرشح للبقاء عاليا، لكن هناك سحب إجباري لأسباب عملياتية وأخرى تتعلق بالصيانة ستغمر السوق وتدفع بالأسعار إلى أسفل مجددا. مخزونات البنزين تراجعت من جانبها بمعدل 1.1 مليون برميل إلى 224.8 مليون برميل، كما أن المصافي خفضت استخدامها بنسبة 2.2 في المائة إلى 83 في المائة إلى طاقتها التشغيلية. أما المخزون من النفط الخام فقد بلغ 335.1 مليون برميل، بزيادة 32.5 مليون عن المعدل الذي كان عليه قبل خمس سنوات.
يوم الجمعة الماضي شهد تراجع الأسعار إلى ما دون 60 دولارا للبرميل لأسباب اعتبرت فنية، وتتعلق باتجاه المتعاملين إلى جني الأرباح قبل عطلة نهاية الأسبوع. وتراجعت شحنات نيسان (أبريل) من خام ويست تكساس 51 سنتا إلى 59.91 سنت، وهو الأقل منذ السابع عشر من الشهر الماضي، كما أن أسعار الخام تراجعت بصورة عامة بنحو 6 في المائة منذ بداية الأسبوع، لكن رغم ذلك فإن المتعاملين يرون في تجدد الاضطرابات في نيجيريا والأفق السياسي الذي بدأ في الانغلاق ما يسحق الآمال بالوصول إلى تسوية تعيد الصادرات النيجيرية إلى سابق عهدها، إن لم تتحسن. والشيء نفسه بالنسبة لإيران، إذ يشير القرار بإلغاء الخيار الروسي مكانا لتخصيب اليورانيوم إلى عزم على المواجهة. يبدو أن لطهران أوراقا عديدة للتعامل معها، وهذا كله يجعل العامل السياسي والأمني والجيوبوليتيكي بصورة عامة أكثر تأثيرا في التطورات الخاصة في السوق أكثر من الأساسيات التي تحكم العرض والطلب. وكان وزير النفط الكويتي الشيخ أحمد الفهد الأحمد قد قدر أن ما بين 5 و8 دولارات في سعر كل برميل تعود إلى تلك الأسباب السياسية والأمنية، بينما تقدير للمهندس علي النعيمي يضاعف من تلك النسبة.
وفي كل الأحوال يرى متعاملون عديدون في السوق أن السوق في تقلباتها والاتجاه التنازلي الذي أسفرت عنه الأسبوع الماضي إنما وصلت إلى قاعها، وهي مرشحة للارتفاع مرة أخرى. وهو ما يؤكد ما أعلنته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن توقعاتها باستقرار أسعار النفط فوق 60 دولارا حتى فصل الصيف على الأقل.