مقاطعة الدنمارك.. ثقافة التثبت

الحدث الساخن للأسابيع الماضية، كان تطاول الصحيفة الدنماركية على رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم صفاقة الحكومة الدنماركية في التعامل مع القضية، وهو اختبار صعب للأمة بجميع المقاييس، أسأل الله أن تكون قد نجحت فيه باقتدار. فقد كان الشجب والاستنكار والمقاطعة رد فعل مشرف على جميع الأصعدة، وإن كانت ردود فعل بعض الحكومات مخزية.. للأسف.
لم أشهد ولم يشهد غيري (من جيلي على الأقل) اتحاداً في اتجاه الأمة وغضباً لكرامتها، مثلما يحدث هذه الأيام مع الدنمارك، حتى عندما غزت أمريكا وبريطانيا وحلفاؤهما الدول الإسلامية وقتلت المسلمين الأبرياء! وحول المقاطعة لي وقفتان:
الوقفة الأولى وقفة إجلال وإكبار للعاطفة الجياشة للمسلمين عند التعرض لرموزهم وهي وقفة لها مبرراتها الوجيهة ولا خير فينا إذا لم تحركنا هذه الاعتداءات على ديننا ورموزنا ومبادئنا، ولكن لماذا لا تكون لنا الوقفة نفسها عند الاعتداء على الإنسان المسلم وحرمته، وهي كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم جمعت بين حرمة الزمان ليوم عرفة والشهر الحرام، وحرمة المكان في عرفة عندما وقف فيها في حجة الوداع، وبالتالي فحرمة وعرض المسلم الإنسان عظيمان عظم هذا الدين، ويجب أن نغضب لهما ونتحرك ( سلميا بالطبع كي لا يتهمني أحد بالتحريض)، وهما للأسف مهانان في كثير من بلدان العالم، والأدهى والأمر أن هذه الحرمة والكرامة والعرض في كثير من الدول الإسلامية تمتهن من قبل المسلمين أنفسهم ومن حكوماتهم قبل غيرهم!!!
الوقفة الثانية.. في التثبت، فمع الحماس الشديد بدأت رسائل الجوال تتوالى بالعشرات حول المقاطعة وتشجيعها تلتها بعد ذلك الرسائل الإلكترونية عبر الإنترنت وسخنت الساحات والمنتديات بدعوات المقاطعة لكل منتج وشركة دنماركية إضافة إلى المنشورات التي توزع في كل مكان، وهو جهد مشكور لكل صاحب حمية وغيرة على مقدسات ورموز الأمة، وقد كانت حملة شعبية جبارة لها آثارها الإيجابية من حيث التأثير والنتيجة، ولم بكن المطلوب تركيع الدنماركيين ولكن إسماع صوت كان بالكاد مسموعاً خلال الحقبة الأخيرة، ولكن تضمنت المقاطعة الكثير من المنتجات والشركات التي لا علاقة لها بالدنمارك، حتى أننا فوجئنا بالكم الكبير من الإيضاحات والبراءة من التبعية الدنماركية لكثير من الشركات، فهذا حليب نيدو يعلن عن جنسيته السويسرية، وشركة سدافكو تعلن خليجيتها و"كي دي دي" تعلن كويتيتها، و"أنكور" و"نستله" و"كندر" تتبرأ من الجنسية الدنماركية، ولا شك أن كثيرا من المسلمين تأذى من المقاطعة العشوائية، حتى أن إحدى الرسائل وصلتني تنادي بمقاطعة جبنة المازاريللا وترموستات المكيفات!!!
والتثبت أمر محمود بل واجب، فمرسل الرسالة لا يعي الضرر الذي يحدثه لأخيه المسلم بنشره معلومة خاطئة بل قد تكون مغرضة، وأثر هذه المعلومة قد يستمر لسنوات، وفي رأيي أن عدم مقاطعة منتج دنماركي مشكوك في أصله وفصله أفضل ألف مرة من إدراج منتج أو شركة واحدة بالخطأ.
أفضل ما وردني خلال الحملة رسالة تقول.. إن أفضل وسيلة لنصرة هادي البشرية صلى الله عليه وسلم هي التمسك بسنته والالتزام بنهجه والسير وفق توجيهاته.. وأعظم بها من نصيحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي