البعد الجيوبوليتيكي يتحالف مع عاملي العرض والطلب لتحديد اتجاه أسعار النفط

ستتجه أنظار المراقبين إلى يوم بعد غد (الأربعاء) عندما تعلن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن الأرقام الأسبوعية الخاصة بالمخزون، الذي شهد زيادات متواصلة خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومعرفة إمكانية أن يشكل نمو المخزون ضغطا على الأسعار التي سجلت الأسبوع الماضي اتجاها تنازليا، وإلى مدى يمكن لذلك الاتجاه أن يستمر مع قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة بإحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن.
ولهذا فاليوم (الإثنين) سيكون رد فعل السوق على هذه الخطوة، ولو أن ما سيحدث سيكون محكوما بحقيقة أن الخطوة كانت متوقعة من ناحية، كما أنه من الناحية العملية البحتة، فإن هناك فترة شهر كامل، تضمنها القرار استجابة للطلب الروسي، لن يحدث فيها شىء وذلك حتى تتاح لطهران الفرصة للقيام بخطوات إيجابية في تعاطيها مع المجموعة الدولية، وهو ما يظهر مع ما أبدته واشنطن من عدم رغبة في الاستعجال بالاتجاه إلى فرض عقوبات على طهران.
وهكذا يبدو أن العامل الإيراني سيكون مطروحا بصورة أو أخرى طوال فترة الأشهر المقبلة، الأمر الذي دفع بعض المحللين إلى عدم استبعاد وصول سعر البرميل إلى 80 دولارا في نهاية العام. وهذا الوضع يعيد التركيز على البعد الجيوبوليتيكي الواضح في المتاعب التي تلف بعض البلدان المنتجة مثل نيجيريا، إيران، وفنزويلا, كما قال رئيس المعهد الفرنسي للبترول أوليفيير أبيرت إن هذا العامل سيعود ليلعب دورا أكبر في اتجاهات الأسعار إلى جانب عاملي العرض والطلب من ناحية وحالة الطقس من ناحية أخرى، وهي تتجه نحو الدفء بصورة عامة، الأمر الذي انعكس على وضعية المخزون الخاص بوقود التدفئة وأسعار الغاز الطبيعي التي شهدت أتجاهات تنازلية ولو بصورة طفيفة.

الجمعة الماضي حقق الخام الأمريكي الخفيف ويست تكساس زيادة بلغت 27 سنتا للبرميل إلى 64.95 دولار للبرميل مقابل تراجع كبير بلغ 1.88 دولار الخميس الماضي، كما سجل خام برنت ارتفاعا طفيفا مقداره 14 سنتا إلى 63.02 دولار للبرميل في لندن.
وكانت إدارة معلومات الطاقة قد أعلنت الأربعاء الماضي, أن حجم المخزونات من النفط الخام ارتفع بمقدار 1.9 مليون برميل إلى 321 مليونا، أي بزيادة تتجاوز 10 في المائة من معدل المخزونات في الأعوام الخمسة الماضية. كما حقق زيت التدفئة زيادة في المخزون بلغت 1.8 مليون لتكون فوق مستوى العام الماضي بنحو 27 في المائة، وهو ما يبدو نتيجة لاتجاه درجات الحرارة إلى الارتفاع.
كما زادت مخزونات البنزين بنحو 4.2 مليون برميل إلى 219 مليونا لتبلغ المستويات التي كانت عليها قبل عام. وفي أوروبا حققت مخزونات النفط والغاز زيادة بنحو 40 ألف طن إلى 1099 مليون طن، أي بزيادة تبلغ نحو الثلث عما كان عليه مستواها قبل عام. وأسهم قرار منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الأسبوع الماضي الإبقاء على السقف الانتاجي المعتمد وهو 28 مليون برميل، في الوقت الذي تقوم فيه المنظمة بالضخ بأقصى طاقة متاحة لديها وتتجاوز 30 مليون دولار في تعزيز موقف المخزونات لدى المستهلكين.
وأدى ارتفاع حجم المخزونات إلى التغطية على رد الفعل الفوري الذي كان يمكن أن ينتج عن الهجوم على محطة لضخ النفط الخام في العراق واستمرار تراجع الإنتاج في كل من روسيا ونيجيريا لمتاعبهما المعهودة.
وهناك أيضا التوتر الذي عاد بين واشنطون وكاراكاس متخذا شكل طرد ديبلوماسيين من عاصمتي البلدين بدأته فنزويلا بطرد ديبلوماسي أمريكي، وهو ما ردت عليه الولايات المتحدة، الأمر الذي يرفع من درجة التوتر، وهو ما يضيف إلى البعد الجيوبوليتيكي في السوق النفطية.
وحملت نشرة "بلومبيرج" المتخصصة في الشؤون الاقتصادية بصورة عامة والنفطية تحديدا نتائج مسح قائمت به الأسبوع الماضي، أوضحت فيه أن 40 في المائة من الذين قامت باستطلاع آرائهم من المحللين والتجار الناشطين في السوق النفطية يعتقدون أن الأسعار ستشهد هذا الأسبوع ارتفاعا بينما يرى 33 في المائة أنها ستتجه إلى الانخفاض.
ومنذ بداية الشهر الماضي فإن نسبة الخبراء الذين استطلعت آراؤهم كانت تراوح بين 53 و60 في المائة من الذين يعتقدون ان الأسعار ستأخذ لها طريقا تصاعديا. وحققت الاسعار زيادة في الشهر الماضي بلغت 11 في المائة بسبب التوتر الناجم عن المواجهة مع إيران بخصوص ملفها النووي.
ومع أن الوضع في خليج المكسيك لا يزال يعاني من آثار إعصار كاترينا وإبقاء بعض المرافق المنتجة للنفط والغاز مغلقة، إلا أن الجديد هو الإعلان عن البدء في تشغيل بعض مصافي التكرير في المنطقة لكن في وقت يحتاج إلى بضعة أسابيع وتحديدا في نهاية الشهر المقبل حيث يتوقع قيام شركة بريتش بتروليوم بتشغيل مصفاتها في تكساس وطاقتها 446.400 برميل يوميا. وكانت أجزاء منها قد تحطمت بفعل الإعصار ريتا، وكذلك مصفاة ميرفي بطاقة 120 ألف برميل يوميا، كما ستبدأ بعض الوحدات الخاصة بمصفاة كونوكو/فيليبس وطاقتها 247 ألف برميل في العمل في نهاية آذار (مارس) المقبل كذلك.
وعليه سيكون السباق الخاص بالأسعار محكوما بمدى نمو تأثير العامل الجيوبوليتيكي من ناحية وقدرة نمو المخزونات والعودة التدريجية لمرافق الإنتاج والتكرير في خليج المكسيك إلى نشاطها وكل هذا في الوقت الذي تدخل فيه السوق الربع الثاني من العام حيث يفترض أن يتراجع الطلب على النفط لأسباب موسمية, فالنمو في المخزونات أصبح مثل القنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر متى ما تراجع العامل السياسي والأمني وساد عنصر العرض والطلب مرة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي