ثقافة العظماء.. رسالة إلى شباب الأعمال
المكان: مدينة الدمام - المنطقة الشرقية
الزمان: عام 1385هـ ( قبل ثلاثين عاماً).
الحدث: التاجر الحصيف ينصح ابنه الشاب بالمرور كل يوم على التجار الزملاء "المنافسين" في السوق والجلوس معهم في متاجرهم واحدا واحداً يومياً لمدة في حدود الساعتين، يسأل الابن والده عن الهدف من ذلك فيخبره بأن جلوسه مع التجار فيه فوائد كبيرة تبدأ من تعلم أمور تجارتهم وكسب الخبرة منهم ومعرفة أسلوبهم في العمل، وتنتهي بالتعرف على عملائهم ومورديهم.
كان الوالد يجلس مع ابنه الشاب في نهاية كل أسبوع، يسمع منه تقريراً مفصلاً عن زياراته اليومية للتجار، لم يكن الوالد المتبصر والتاجر العتيق مغرماً بما يقصه عليه ابنه من أسرار الصنعة كما كان يعتقد الابن، إنما كان يركز على تفاصيل أخرى دقيقة حول الكيفية التي يقضي بها التجار أوقاتهم وعما يتحدثون عنه في متاجرهم ومجالسهم، وكان الوالد يفاجئ ابنه بعد نهاية الجلسة الأسبوعية بتعليمات مشددة لقطع زياراته للتاجر الفلاني والتاجر العلاني مشفوعة بأوامر واضحة بعدم ضياع وقته معهم، وان كان ينصحه بحسن التعامل والعشرة معهم كزملاء في السوق.
لم يكن الابن المطيع لوالده يسأل أباه عن مبررات هذه التعليمات المشددة القاسية بالانقطاع عن بعض التجار دون البعض الآخر، ولكنه كان يستذكر ما قاله لوالده عن كل منهم، فهذا تاجر همه أن يتكلم في الناس وأعراضهم، والثاني يعلق كل خطأ يقع منه على الغير سواء كان ذلك خسارة أو تأخيرا أو نقصا بينما هو التاجر الذي لا يخطئ، والثالث مشغول بالغيبة والنميمة فمرة بالموردين ومرة بالعمال ومرة بالزملاء ومرة بالعملاء ومرات بالحكومة.. الخ، وتاجر رابع كل شغله الشاغل الحديث حول الإحباطات والمشاكل والخسائر، فوجد بفطنته الذاتية وذكائه الفطري أن السمة الجامعة فيهم هي السلبية الفكرية والعملية، فاستنتج أن والده إنما أراد أن يبعده عن هذا الفكر وهذه الطريقة في التفكير ويربيه في بيئة تجارية إيجابية منتقاة ونظيفة من حيث الثقافة والتفكير والقيم.
يقول هذا الابن اكتشفت مع مرور الزمن أن جميع التجار الذين منعني والدي من الاجتماع بهم و زيارتهم خرجوا من السوق نهائياً بشكل تلقائي واحدا بعد الآخر، ولم يبق في السوق منهم أحد.
قصة واقعية بطلها التاجر الحصيف الشيخ عبد القادر المهيدب رحمه الله وابنه سليمان، سمعتها مباشرة من الأخ سليمان، وتتميز هذه الواقعة بحقيقتين، الأولى الفكر والرؤية اللتين كان يتصف بهما الشيخ عبد القادر رحمه الله في تربيته لابنائه، الثانية في النتيجة التي آلت إليها، سواء من حيث خروج أولئك التجار من السوق أو من حيث النجاح الذي حققه الشيخ عبد القادر المهيدب رحمه الله ومن بعده أبناؤه بتكوين إمبراطورية تجارية تتميز بفكر وثقافة إبداعية منتجة نرى جميعاً آثارها في مجموعة المهيدب وأسرتهم، يقول الأخ سليمان إن هذه القصة أصبحت ماثلة أمامي دائما ودرساً لا أنساه حيث أصبحت قيمة رئيسية من قيم المجموعة انعكست في حرصنا على التغيير و مواجهة الواقع الذي لا نستطيع تغييره بالتعامل معه وعدم الاعتماد على الغير في حل مشاكلنا سواء كانت مع الجهات الحكومية أو المنافسين أو الموردين أو العملاء أو غيرهم.
درس عظيم يقدمه الشيخ عبد القادر المهيدب رحمه الله في الإيجابية إلى كل طالب معرفة وتاجر ومهني وموظف، اعمل ولا تلتفت إلى الغير، وأعلم أن إشعال شمعة واحدة في الظلام خير من سب الظلام مليون مرة.
- ختاماً.. قل لي من تجالس أقل لك من أنت.