متى يصبح التضخم عدواً لدوداً؟

[email protected]

في الأسبوع الماضي، أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة تسجيل التضخم في المملكة لمستوى يبلغ 10.6 في المائة خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في حزيران (يونيو) الماضي وهو المستوى نفسه المسجل في أيار (مايو) أيضا، مما يدل على استمرار المسار التصاعدي لنمو التضخم ولكن بوتيرة أقل ارتفاعاً، حيث إن تجاوزه مستوى 10 في المائة سنوياً كان قد تم تسجيله في نيسان (أبريل) الماضي وذلك لأول مرة منذ 27 عاماً على الرغم من الظروف الاقتصادية المختلفة التي مر بها اقتصاد وطننا الغالي خلال تلك الفترة.
فالتضخم وإن كان يرمز إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات خلال فترة تقدر بعام كامل، إلا أنه يدل أيضا وبطريقة غير مباشرة، على انخفاض القوة الشرائية بالعملة المحلية، وهذا بدوره يعني أن متوسط ارتفاع أسعار السلع والخدمات في المملكة خلال السنة الأخيرة وصل إلى مستوى 10.6 في المائة، كما يدل على انخفاض القوة الشرائية للريال بالنسبة نفسها وهي وإن كانت أقل نسبة مسجلة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي (مثل الإمارات وقطر) إلا أن هذه النسبة بلا شك تعد مرتفعة جداً إذا قورنت بباقي دول المجلس أو الدول العربية أو الدول الغربية.
بحسب تقرير مصلحة الإحصاءات العامة، يعود السبب الرئيس لارتفاع نسبة التضخم إلى استمرار ارتفاع أسعار الإيجارات والمواد الغذائية التي استمرت في تسجيل أعلى معدلات النمو مقارنة بباقي السلع والخدمات وهو الاتجاه السابق نفسه نتيجة لعدم وجود توازن بين العرض والطلب في هذه السلع حتى الآن، حيث بلغ ارتفاع أسعار الإيجارات نسبة تجاوزت 18 في المائة، فيما بلغ ارتفاع أسعار المواد الغذائية نسبة تجاوزت 15 في المائة وهي نسب عالية جداً بكل المقاييس على الرغم من المحاولات الحثيثة التي بذلتها الدولة بهدف الحد من هذه الظاهرة السلبية التي كان لها آثار سلبية عاناها الجميع دون استثناء.
من المفهوم الاقتصادي، أن السبب الرئيس لارتفاع مستويات التضخم في المملكة يعود في الدرجة الأولى إلى ارتفاع نمو المعروض النقدي بنسب أعلى من نمو المعروض من السلع والخدمات وهذا بدوره أدى إلى زيادة الطلب على العرض وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات نتيجة لذلك. إضافة إلى ذلك، هناك سبب آخر وإن كان أقل أهمية من سابقه يعود إلى انخفاض سعر العملة المحلية أمام العملات الرئيسة العالمية مما أدى إلى ارتفاع قيمة الواردات بشكل كبير وهو في الحقيقة وضع يصعب التحكم فيه في ظل ارتباط سعر صرف الريال السعودي بالدولار الأمريكي الذي يشهد منذ سنوات انخفاضاً كبيراُ في قيمته.
من المقبول في أي اقتصاد عالمي أن تكون نسب التضخم عند مستويات معقولة نسبياً (مثلاً أقل من 2 أو 1 في المائة سنوياً) لكن عندما يكون في مستويات مرتفعة تاريخياً وأعلى كثيراً من مستويات أسعار الفائدة (كما هو الحال لدينا)، فإن التضخم بلا شك سيؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للعملة المحلية، كما يؤدي إلى الحد من النمو الناتج المحلي الإجمالي والحد من نمو أرباح الشركات، وبالتالي يمكن النظر إلى التضخم على أنه العدو اللدود لاقتصاد أي دولة وتجب محاربته بجميع الوسائل المتاحة وأهمها على الإطلاق رفع أسعار الفائدة والدخول في عمليات السوق المفتوحة ورفع مستويات الاحتياطي القانوني للودائع المصرفية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي