المحافظون الجدد اللاعب الأخطر في الانتخابات

[email protected]

مع أن مسلسل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المتكرر كل أربع سنوات ليس فيه إلا الإثارة لما يصاحبها من صخب وتشويق متعمد لإعطائها زخما إعلاميا ودعائيا فقط، أكثر مما تحمله من نتائج حاسمة تحدث تغيرات جوهرية في سياسات وعلاقات هذا البلد، الولايات المتحدة، مع العالم وتغير مواقفه من قضاياه بحكم تأثيرها في القرار الدولي كدولة عظمى وحيدة في هذا الزمن، فسواء فاز فيها الديمقراطيون أم الجمهوريون فالمتغير فيها الوجوه والثابت السياسة.
بالرغم من هذه الحقيقة للانتخابات والتي هي أكثر من (شو) بالطريقة الأمريكية المعتادة, إلا أن هذه الانتخابات التي ستختتم بعد أسبوعين تقريبا تختلف كلية عن كل الانتخابات التي سبقتها، فالتنافس والصراع فيها على أشده ما بين الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري، وهو تنافس وصراع حاد وجدي وحقيقي هذه المرة وليس مجرد (شو) بسبب الفجوة التي اتسعت بين الرؤى السياسية بينهما خصوصا في ظل صعود تيار المحافظين الجدد وهيمنتهم على مقاليد الحزب الجمهوري والذي يمثل تاريخيا وفكريا الرؤية اليمينية، فهذا التيار بفكره الديني المتزمت ورؤيته العقائدية المتشكلة من تحالف يمين مسيحي متطرف مع فكر صهيوني برجماتي علماني يوظف الدين لأهداف سياسية مشكلا ما بات يعرف بـ (المسيحية الصهيونية)، بدأ ظهوره في عهد الرئيس الأمريكي اليميني الأسبق رونالد ريجان، فخلال عهديه تشكل هذا التيار داخل السلطة وأخذ يمارسها بوحي من فكره العقائدي، فهو الذي شدد، مثلا، من الصراع مع الاتحاد السوفيتي مطلقا عليه (محور الشر) وهو التصنيف الذي استخدمته إدارة بوش بوصف كل مخالفيها ومعارضيها كتعبير عن رؤية هذا التيار المتزمتة للآخرين، إلا أن هذا التيار أصيب بانتكاسة حين فاز بيل كلينتون الديمقراطي المغمور على بوش الأب المشهور بحرب تحرير الكويت وبدايات انهيار الأنظمة الشيوعية في العالم بما مثل مفاجأة كبرى، وخلال مدة ولايتي كلينتون راجع المحافظون الجدد أوراقهم وقرروا استعادة السلطة بأي ثمن، وكان لهم ذلك حين تبنوا جورج بوش الابن في الانتخابات التالية عام 2000م الذي لم يكن فقط مغمورا بل مشكوكا حتى بقدراته وهو ما ثبت فيما بعد، وفعلا فاز مقابل المرشح الديمقراطي ونائب الرئيس آل جور السياسي المتمرس والراقي، ولم يأت فوز بوش الابن آنذاك سليما من الشكوك والطعون، فيكفي التذكير بما حدث من تلاعب في تصويت ولاية فلوردا والتي كان حاكمها شقيق بوش مما أخر الإعلان عن نتائج تلك الانتخابات شهرا في سابقة لم تحدث طوال تاريخ الانتخابات الأمريكية، وكانت تلك الأزمة مرشحة للتصعيد من قبل الديمقراطيين لولا تدخل المحكمة الدستورية العليا بتثبيت فوز بوش بطريقة مريبة، وفي الانتخابات التالية عام 2004م خاضها بوش وهو في أضعف حالاته بسبب أحداث أيلول (سبتمبر) وبعد أن ورط أمريكا في حربي العراق وأفغانستان بما آثار عقدة فيتنام في الذاكرة الأمريكية وتعرضه لحملات نقد لاذع داخلية وخارجية, وانكشاف شخصيته الباهتة والركيكة ضد المرشح الديمقراطي آنذاك جون كيري الذي كانت كل استطلاعات الرأي تعطيه الأفضلية، وكانت المفاجأة الحقيقية هذه المرة حين أعلن فوز بوش لولاية ثانية وبما آثار أيضا الشكوك.
فوز رئيس مثل بوش بولايتين يعطي صورة لما يمكن أن يحدث في هذه الانتخابات الوشيكة تحديدا، فهناك توجسات من موقف وتصرف "المحافظين الجدد" الذي لا يتوقع أن يتركوا السلطة تفلت من أيديهم كما حدث مع كلينتون بهذه السهولة، فهذا التيار لديه أجندة يشعر بأنه مكلف بها من الله نفذ أجزاء منها في أفغانستان والعراق وبقيت أجزاء، هذا إضافة إلى إدراكهم أن ترك خسارة مرشحهم سيفتح الباب لمسألتهم قانونيا عن ممارساتهم التي كلفت أمريكا الكثير والكثير من الخسائر المادية والأخلاقية، وستكشف أوراقهم الخفية التي ستؤكد تورطهم في تنفيذ سياسات عقائدية صرفة تتعارض مع المصلحة الوطنية الأمريكية اعتمدوا في تمريرها على (مكارثية) ضد كل من حاول أن يرفع صوته ضد سياساتهم ويعترض عليها باسم الأمن وتضخيم الخوف من الإرهاب لتبرير أفعالهم.
على خلفية ذلك كله، ما الذي يمكن أن يفعله المحافظين الجدد لمواجهة هذا المد الكاسح لاوباما والحزب الديمقراطي والترشيحات والتوقعات وغالبيتها تصب بفوزه وخسارة المرشح الجمهوري، الذي هو مرشح المحافظين الجدد، جون ماكين صاحب الشخصية الباهتة والباردة.؟
التوقعات التي يمكن وصفها بـ (السوداوية) تقول بأنه إن لم يستطع الحافظين الجدد التدخل بطريقة أو بأخرى بترجيح مرشحهم بعكس كل الترشيحات كما حدث مع بوش في الولاية الأولى والثانية خصوصا بنفوذهم القوي وتغلغلهم في معظم مواقع السيطرة والسلطة، فمن المرشح أن يقدموا على عمل دراماتيكي بحجم هجمات أيلول (سبتمبر) التي أعطتهم الذريعة لشن حرب عالمية ضد عدو أسموه بالإرهاب الإسلامي، من أجل خلط الأوراق أما لتغيير مسار التوقعات واللعب على نغمة التخويف من الإرهاب مرة أخرى، أو لتعطيل الانتخابات تحت حجة ظروف أمنية استثنائية، فهؤلاء المحافظون الجدد بتوحشهم العقائدي ستكون ردة فعلهم غير متوقعة لمنع فوز المرشح الديمقراطي، ولعل تفجر الأزمة المالية الحالية في هذا التوقيت جزء من لعبتهم التي يمكن استثمار ظروفها لإحداث هزة داخلية تشبه في أثرها هجمات أيلول (سبتمبر) تؤثر على سير الانتخابات بطريقة أو بأخرى، فالمحافظين الجدد لن يستسلموا بسهولة، والأيام المتبقية ليوم الانتخاب أيام خطرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي