في ظلال الأزمة 3 أسئلة محيرة

[email protected]

قبل أسابيع قليلة فقط ... لو قال قائل إن السوق ستكسر حاجز الـ 6000 نقطة هبوطاً لنعت بالجنون، ولو قال قائل إن الاقتصاد الأمريكي سيصل إلى ما وصل إليه وإفلاس المؤسسات المالية "الأكثر أماناً في هذا الكون من الناحية الاستثمارية" لقيل إنه متآمر، ولو قيل أن أمريكا حامية الرأسمالية ستكون أول من يكسر قواعدها لنعت بالجهل والتآمر والجنون معاً.
لا أجد أصدق من وصف الأزمة الحالية من "يصبح الحليم فيها حيران"، ومنذ منتصف رمضان الماضي ولا أجلس في مجلس تثار فيه جوانب الاقتصاد، إلا وتتنازع الحضور ثلاثة أمور:
1- ما الذي يحدث ؟
2- ماذا نتوقع أن ينتج عنه مستقبلا ؟
3- ما أفضل تصرف يمكن أن يقوم به المستثمر المحلي ؟

ما الذي يحدث؟
لقد ظهر للعيان أن المؤسسات المالية الأمريكية جرت العالم إلى منزلق ونفق مظلم لا تعرف هي نفسها نهايته، ولكن بالتأكيد أنه نفق مرعب مملوء بالحقائق المخيفة التي ستغير وجه العالم، وقد كتب الكثير عن تفاصيل ما حدث ولا أريد أن أعيد كلاما مملا إلى أنظاركم.
ولكن السؤال الوجيه .. ما الذي حدث في أسواقنا ؟ فهذا السؤال لا أجد له جوابا وما حدث لا أجد له مبررا، ولكنها وللأسف سياسة القطيع التي توجه سوقنا المحلية، والتي فشلنا في قيامها كسوق استثمارية حقيقية، فأصبحت أقرب تشبيها لإحدى صالات القمار في لاس فيجاس والمتعاملون هم جل المواطنين والمقيمين ومعهم وللأسف بنوكنا وشركاتنا الاستثمارية، والذي زاد الطين بلة وقوف الجهات المسؤولة بكل صمت تجاه ما يحدث وكأن سوقنا تخص زنجبار أو جزر المالديف ... حتى وقعت الفأس في الرأس.

أما ماذا نتوقع مستقبلا ؟
فالأيام حبلى .. فعلى صعيد الاقتصاد الأمريكي فما نراه حالياً في تقديري هو الثقب في السفينة، ولكم أن تتصوروا ثقباً في سفينة في عرض البحر لا توجد فيها مؤن ولا وقود وليس هناك ما يمكن أن يسد الثقب به ... ستحصد أمريكا ما زرعت، والسيناريو المتفائل للأحداث ينبئ بما يلي:
* سيتوالى اختفاء المؤسسات المالية إما بالاندماج مع غيرها أو ببيعها إلى مؤسسات أكبر أو بإفلاسها.
* سيفقد العالم الثقة بالدولار الأمريكي وفي سياستها وفي اقتصادها.
* سيتزايد عدد المفلسين في أمريكا من الأفراد والمؤسسات.
* ستتأثر تبعاً لذلك قدرة الفرد الأمريكي على الشراء، وسيتوالى إفلاس المؤسسات الأمريكية نتيجة قلة الطلب وشح المال.
* لن تستطيع الحكومة الأمريكية الضغط على سعر صرف الدولار وبالتالي سيصل إلى أرقام عالية تقلل من جاذبية السلع الأمريكية في الأسواق الخارجية.
ومع الأسف إذا ما حصل ذلك للاقتصاد الأمريكي فسيتعرض العالم كله إلى ويلات التبعية العمياء له خلال عقود مضت، وفي نظري ستتوالى اللعنات على الاقتصاد الأمريكي وستكون الأزمة الحالية، حلما جميلا يتمناه الأمريكان مقارنة بما سيحدث مستقبلا خاصة إذا ما بدأت أزمة بطاقات الائتمان والقروض الشخصية.
أما على الصعيد المحلي فلاشك أننا سنتأثر بما حدث ولاشك أن هذا التأثير سلبي بجميع المقاييس، فقد جاء وقت سداد الفاتورة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما حجم هذا التأثير؟ في اعتقادي أن هناك أثرا مباشرا سنتحمله ويتمثل ذلك في استثماراتنا في أمريكا سواء كانت على شكل ودائع في بنوك أو وحدات في صناديق ومحافظ استثمارية أو حصص في شركات، وهذا التأثير وإن كنت أتوقع محدوديته في القطاع الخاص إلا أنني أعتقد عكس ذلك لاستثماراتنا الحكومية خاصة أن شفافية مؤسسة النقد في هذا الصدد غير كافية، أما الأثر غير المباشر الذي سنتحمله فهذا الذي يبدو ككابوس حتى أننا نتجنب التفكير فيه، ولكن من أبرز الأمثلة لما قد ينتج عن الأزمة مستقبلا:
* انخفاض سعر البترول وعدم صعوده مرة أخرى بسبب عوامل الطلب والسيولة.
* انخفاض الطلب على المشتقات البتروكيماوية التي تمثل ثاني أبرز صادراتنا، وانخفاض أسعارها.
* انخفاض الطلب على صادراتنا الأخرى.
* انخفاض السيولة.
* عدم فعالية الإقراض الاستثماري.
* انخفاض تكاليف مواد البناء.
* ضعف الطلب على العقارات.
* تأثر سلبي لصادراتنا.

أخيرا .. ما الذي يجب أن يقوم به المستثمر السعودي؟
ليس هناك أفضل تصرف وليس هناك ضمانات لأي شيء، ولكن في نظري أن على المستثمر السعودي أن يقوم بما يلي:
* حفاظاً على نفسيات المتعاملين في السوق السعودية أقترح عليهم أخذ إجازة من المتابعة للأسواق المحلية والعالمية والتسليم بما حدث.
* على المتعاملين في سوق الأسهم السعودية أن يغيروا استراتيجيتهم والتحول إلى أسهم الاستثمار بدلا من المضاربة.
* على المتعاملين في الأسواق العالمية أن ينسحبوا بأقل الأضرار فالمتوقع أكثر سواداً.
* على المصدرين السعوديين مراجعة الطلب المتوقع على منتجاتهم، والأسعار المقبولة للتصدير مستقبلا.
* على مقدمي السلع الاستهلاكية التكميلية (سلع وخدمات) أن يخففوا من وتيرة التوسعات الحالية.
* على المطورين العقاريين التريث في البناء والتطوير حتى تتضح الصورة بخصوص توازن العرض مع الطلب (وخاصة للمشاريع التجارية)، إضافة إلى تحقيق المكاسب المتوقعة من انخفاض تكاليف مواد البناء.

أخيراً .. وليس آخراً تظهر الفرص في وسط العتمة .. فسوق المال السعودية فرصة حقيقية للاستثمار طويل الأجل، أرجو من المستثمرين الذين لديهم الملاءة عدم إضاعة الفرصة التي لن تتكرر بالاستثمار في الشركات التي تعطي عوائد مغرية ويتوقع لها أقل تأثرا ممكنا بالأزمة العالمية الحالية.

الرئيس التنفيذي – شركة أموال للاستشارات المالية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي