شاشات تداول الاستثمار العقاري

في الأسابيع الماضية تسمرت أعين المستثمرين العالميين والمحليين على شاشات التلفزة والتداول والصحف لمتابعة آخر التطورات من تصاريح ومعلومات عن الأزمة المالية العالمية التي أطلت برايتها بعد طول كمون . وانعكست تلك التطورات على الاستثمارات المالية والمحلية في مختلف القطاعات وبشكل سريع (وغير مبرر في اعتقادي وأدت إلى اصطباغ شاشات تداول الأسهم المحلية باللون الأحمر ، كأحد أهم المشاهدات المالية، ويبقى تساؤل مهم عن مدى تأثر الاستثمار العقاري بتلك الأزمة وما "شاشات التداول " للاستثمار العقاري والتي يمكن رؤية ذلك التأثير مباشرة .
يتطلب الاستثمار العقاري وقتاً أطول بكثير من نظيراته من الاستثمارات المالية المختلفة، وذلك لكون الاستثمار العقاري محليا بالدرجة الأولى ويتأثر بالمؤثرات المحلية من دخل متاح وسيولة لدى الأفراد وإسهام مؤسسات التمويل المالية والتضخم المالي والقوانين الميسرة له . لذا يتم اللجوء في بعض الأحيان إلى المشاهدات البحتة وتدوين الملاحظات الشخصية التي تستخدم لاحقاً فرضيات لبحوث وقرارات الاستثماريين, فشاشات التداول ومسرح تلك المشاهدات هي المجتمع نفسه حيث تتسم شاشات تداول الاستثمار العقاري (المجتمع) بكبر الحجم وبطء حركة التغيرات (مقارنة بسوق الأسهم مثلا) .فمن شاشات تداول الاستثمار العقاري في الأسابيع الماضية وتحديداً بعد العودة من إجازة العيد، يلاحظ التصاريح العقارية على مختلف القنوات الإعلامية، وطوال فترة التفاوض بين البائع والمشتري لإتمام الصفقات وكثرة اتصالات عروض البيع وانخفاض حاد في عدد مراجعي كتابات العدل.
فقد بدأ الأسبوع بالترقب المشوب بالحذر (وهو السمة الغالبة على حراك الاستثمار العقاري ولا استغراب)، وبدأ كبار المستثمرين العقاريين بموجة تصاريح متوقعة، تمحورت جلها في إيصال رسالة مفادها سلامة سوق الاستثمار العقاري وسلامة سير المشاريع الحالية (حسب الخطط المرسومة)، أو الإعلان عن مشاريع مستقبلية عملاقة، أو إعلان ميزانيات الشركات وأرباحها. وهذه التصاريح أسوة بباقي الأسواق الاستثمارية، تحاول أن تطمئن النفس أولاً والمستثمرين ثانياً والمجتمع ثالثاً بمتانة وسلامة الاستثمار العقاري وعدم تأثره بشكل بالغ من جراء الهزة المالية العالمية. أما المشاهدة الثانية على شاشات التداول العقاري فهو انتهاز نهازي الفرص لتلك المرحلة (من مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد) بمحاولة اقتناص راغبي تسييل المحافظ العقارية بأسعار متدنية، أو إثارة الإشاعات والصفقات الوهمية التي تؤثر سلباً في الأسعار أملاً في الشراء بسعر منخفض والبيع لاحقاً بسعر مرتفع.
ومن المشاهدات أيضاً طول فترة التفاوض لإتمام الصفقة العقارية, فعلى عكس السائد سابقاً أن الفترة ما بين العلم بالصفقة إلى إتمامها تستغرق أياماً، أصبح الملاحظ تردد البائع والمشتري بالذات وطلبه مدة أطول للتفكير أو لتوفير المبالغ المالية المطلوبة لإتمام الصفقة، مع قوة في التفاوض لدى المشترين. وهذا ناتج طبيعي من كثرة العروض مقارنة بالطلب. أما المشاهدة المهمة (والشخصية) فهي الانخفاض الحاد في عدد مراجعي كتابات العدل. فمواقف السيارات شبه خالية وأعداد المراجعين لكتاب العدل تقل بكثير عن فترة ما قبل إجازة العيد.
إن هذه المشاهدات (الشخصية) تشير بوضوح إلى أن الاستثمار العقاري جزء مهم لا يتجزأ من الاستثمار المالي ولذلك يصاب مما يصاب به الحراك الاستثماري عموماً من أفراح وأتراح. وعدم وجود شاشات تداول يجعل من المجتمع الشاشة الكبرى لمراقبة سلوك ذلك الاستثمار الذي غلب عليه في الأسبوع الماضي طابع الحذر والترقب. ومع ذلك كان وسيظل الاستثمار العقاري أكثر أنواع الاستثمار أماناً وأقلها أضراراً وأبطأها حراكاً، والملاذ لمن أراد ملاذاً, وحتى تتضح الصورة المالية العالمية عموما والمحلية على وجه الخصوص، فالعقار يمرض ولا يموت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي