تعليق قانوني حول تعليق عضوية إندونيسيا في "أوبك"
انعقد اجتماع مؤتمر منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في العاصمة النمساوية (فيينا) في الفترة من 9 إلى 10 أيلول (سبتمبر) 2008م. وصدر عن هذا الاجتماع بيان ختامي تضمن الإشارة إلى قرارين اتخذهما المؤتمر، الأول العودة إلى تطبيق قرار المؤتمر المتخذ في أيلول (سبتمبر) 2007م، الذي حدد الحصص الإنتاجية للدول الأعضاء على نحو يجعل السقف الإجمالي لإنتاج دول المنظمة بمقدار 28.8 مليون برميل يومياً. وقرار العودة إلى تطبيق قرار أيلول (سبتمبر) 2007م لا يشمل إندونيسيا التي علقت عضويتها في المنظمة ولا العراق الذي ما زال خارج نظام الحصص ولكنه يشمل أنجولا والإكوادور اللتين لم تكونا في سنة 2007م، عضوين في المنظمة, وأن هذا القرار يعني في الواقع تخفيض الإنتاج الحالي بمقدار 520 ألف برميل يومياً لأن دول المنظمة تنتج أكثر من حصصها المحددة بموجب قرار أيلول (سبتمبر) 2007, وقد أعلن البيان تعهد الدول الأعضاء باحترام الحصص الإنتاجية بكل دقة. ويهدف هذا القرار إلى الحد من تراجع أسعار النفط الخام التي انخفضت لفترة قصيرة إلى أقل من 100 دولار للبرميل. وذهب بعض المحللين إلى القول إن هذا القرار عزز حجج الصقور في المنظمة الذين يريدون خفض الإنتاج للحد من انخفاض الأسعار. ورأى بعض الخبراء أن هذا القرار يشوبه شيء من الغموض لأنه لم يحدد كيفية توزيع حصص الإنتاج على الدول الأعضاء في ضوء تعليق عضوية إندونيسيا ووجود عضوين جديدين هما أنجولا والإكوادور.
والقرار الثاني الذي هو موضوع هذا المقال أن المؤتمر أعلن بكل أسف موافقته على رغبة إندونيسيا في تعليق عضويتها في المنظمة معرباً عن أمله في أن تتمكن إندونيسيا من العودة إلى عضوية المنظمة في المستقبل القريب. ونقلت جريدة "الأهرام" المصرية في عددها الصادر بتاريخ 14/9/2008م تصريحاً لممثل إندونيسيا في مجلس محافظي منظمة "أوبك" ميزار رحمن قال فيه إنه لا توجد دوافع سياسية وراء قرار بلاده تعليق عضويتها في منظمة أوبك, مشدداً على أن القرار اتخذ نتيجة تراجع إنتاج إندونيسيا النفطي وتحولها إلى دولة مستوردة للنفط بشكل كامل منذ عام 2003م. وأضاف المسؤول الإندونيسي قائلاً إن بلاده ستستعيد عضويتها في منظمة أوبك إذا استطاعت في المستقبل زيادة حجم إنتاجها النفطي وتحولها إلى دولة مصدرة للنفط.
والواقع أن قرار تعليق عضوية إندونيسيا كان قراراً غريباً لأن دستور منظمة أوبك لم ينص على جواز تعليق العضوية وإنما أعطى الدول الأعضاء حق الانسحاب من عضوية المنظمة وحدد شروط الانسحاب والإجراءات الواجب اتخاذها في هذا الشأن.
ويختلف الانسحاب من عضوية المنظمة الدولية عن تعليق العضوية من عدة وجوه يمكن إيجازها على النحو التالي:
أولاً: إن الانسحاب من عضوية المنظمة الدولية يترتب عليه فقدان الدولة المنسحبة جميع حقوق ومزايا العضوية وعدم التزامها بالالتزامات المقررة بموجب ميثاق المنظمة ولوائحها وقراراتها، أما تعليق العضوية فإنه يعني وقفها أي تجميدها ولا يترتب عليه زوال العضوية وتبعاً لذلك فإن الدولة التي تم تعليق عضويتها تظل ملتزمة خلال فترة تعليق أو التجميد بالمبادئ والأهداف التي أنشئت من أجلها المنظمة. وهنا يثور التساؤل، هل تستطيع إندونيسيا التي تحولت إلى دولة مستوردة للنفط أن تستمر في الالتزام بمبادئ وأهداف دستور "أوبك" خلال مدة تعليق عضويتها بينما مصالحها كدولة مستوردة للنفط أصبحت مختلفة عن مصالح الدول الأخرى الأعضاء في أوبك، فهي كدولة مستوردة ترغب في أن تكون أسعار النفط أقل من تلك التي تعتبرها "أوبك" أسعاراً معقولة وعادلة؟
ثانياً: المستقر عليه في فقه القانون الدولي العام أن تعليق أو تجميد العضوية هو إجراء عقابي تتخذه المنظمة الدولية ضد دولة عضو منتهكة لأحكام ميثاق المنظمة ويهدف إلى منعها من التمتع بحقوق ومزايا العضوية لفترة مؤقتة إلى أن تحترم الدولة العضو التزاماتها المالية وغير المالية المنصوص عليها في ميثاق المنظمة الدولية. وهذا المفهوم لتعليق العضوية لا ينطبق على حالة إندونيسيا لأن قرار تعليق عضوية إندونيسيا في منظمة أوبك لم يكن بسبب أي مخالفة أو انتهاك لأحكام دستور المنظمة وإنما جاء بناء على رغبة إندونيسيا في تجميد عضويتها بسبب تراجع إنتاجها النفطي وتحولها إلى دولة مستوردة للنفط. وسبق أن أشرنا في مقالنا المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 21/1/1426هـ الموافق 2/3/2005م إلى أن من شروط العضوية الكاملة Full Membership المنصوص عليها في المادة السابعة من دستور منظمة أوبك أن تكون الدولة من الدول المصدرة للنفط بكميات وفيرة، وأن هذا الشرط يعتبر شرط بقاء وليس ابتداء فحسب بمعنى أنه كما يجب توافر هذا الشرط بقبول الدولة عضواً في المنظمة فأنه يجب استمرار هذا الشرط طالما ظلت العضوية قائمة، فإن انقطع هذا الاستمرار فقدت العضوية شرطاً من شروط وجودها وبناء على ذلك إذا تحولت الدولة العضو من دولة مصدرة للنفط بكميات وفيرة إلى دولة مصدرة بكميات ضئيلة أو دولة مستوردة للنفط فإنه لا مناص من انسحابها من عضوية المنظمة.
ولمعالجة وضع إندونيسيا فقد اقترحنا في مقالنا المذكور آنفاً أن تتحول عضويتها من عضوية كاملة Full Membership إلى عضوية منتسبة أو مشاركة Associate Membership المنصوص عليها في المادة السابعة من دستور "أوبك", حيث تمنح هذه العضوية الدولة المشاركة أو المنتسبة مركزاً قانونياً يتيح لها أن تسهم في بعض أنشطة المنظمة وأن تحصل على بعض الفوائد الناجمة عن تلك الأنشطة دون أن يكون لها حق التصويت على قرارات المنظمة، ولكن يبدو أنه تم استبعاد هذا الخيار لأن الفقرة (ب) من المادة (38) من دستور المنظمة تلزم أن يدفع العضو المشارك أو المنتسب مبلغاً سنوياً ثابتاً كمساهمة مالية للمنظمة, وأن إندونيسيا لا تريد أن تتحمل هذه التكلفة فكان قرار تعليق العضوية هو البديل على الرغم من أنه ليس له أساس قانوني.
وصفوة القول إن إندونيسيا ما زالت من الناحية القانونية عضواً في منظمة أوبك لأنها لم تقدم طلباً للانسحاب منها، أما قرار تعليق عضويتها فهو قرار معيب من الناحية القانونية إذ لا يجوز تعليق أو تجميد العضوية إلا إذا تم تعديل دستور المنظمة على نحو ينص فيه صراحة على جواز تعليق العضوية ويحدد حالات وضوابط تطبيق هذا الإجراء.