الرهان على باكستان
تاريخيا تعد باكستان مهمة في خريطة العلاقات السعودية الدولية, لذلك فإن متابعة التطورات والحذر من التحولات المفاجئة أمر مهم للغاية, خاصة في ظل التجاذب الإيراني الغربي على أثر طموحات إيران والسلام البارد دائما بين إيران وباكستان, إضافة إلى ذلك تمر باكستان بفترة عصيبة داخليا. من هذا المنظار تصبح التطورات في باكستان جديرة بالاهتمام. في خطوة متوقعة على خلفية تاريخ باكستان الحديث أجبر الرئيس مشرف على الاستقالة وأصبح نموذج الحكم الباكستاني متوقعا.
تأتي حكومة منتخبة ديمقراطيا يغلب على قيادتها الطموح الشخصي والفساد إلى حد الوصول إلى درجة من الفوضى ثم يتدخل الجيش كأهم مؤسسة في البلاد, وتعقب ذلك المطالبة بانتخابات ديمقراطية لتأتي حكومة مدنية على المنوال نفسه والرغبة في الانتقام الشخصي, كما يجري الآن حول معاملة الرئيس مشرف. المحزن أن الرئيس مشرف أنقذ باكستان في فترة حرجة على أثر أزمة 11/9 ولم يكن فاسدا واستطاع الحفاظ على درجة من السلام, كذلك استطاع وبمساعدة من شوكت عزيز تحقيق نمو اقتصادي والحد من الدين العام. وكما في كل الدكتاتوريات أصبح الرئيس أهم من البلاد, حتى وصل إلى إبعاد رئيس المحكمة العليا خوفا من المطالبة القانونية بالانتخابات, كذلك أتى تدخل الجيش الباكستاني في المناطق المحاذية لأفغانستان بحالة جديدة من تورط الجيش داخليا. هذه الظروف أعطت خصوم مشرف فرصة للمطالبة بانتخابات ديمقراطية.
أزمة الحكم في باكستان ستستمر في ظل الانقسامات الإقليمية والمذهبية والطبقية ودخول باكستان في سباق غير واقعي مع الهند تسلحيا على خلفية الحروب المتتالية مع جارتها الكبرى حول كشمير, والتدخل الغربي وسوء الإدارة الاقتصادية وفساد النخبة الحاكمة المدنية. النموذج الباكستاني في السياسة بما في ذلك من تبادل للسلطة يعيد نفسه ولكن باكستان بلاد كبيرة وتداعيات الحرب في أفغانستان وتأثير ذلك في الوضع الداخلي الباكستاني مجتمعة أدخلت باكستان في نفق مخيف.
هذه الظروف الدقيقة قد تغير الوضع تغييرا جذريا يتعدى الوضع المعتاد في تبادل السلطة بين العسكريين والمدنيين. استمرار الأزمة الداخلية أمنيا قد يقود باكستان إلى الحروب الداخلية والانقسام ومغريات وفرص تدخل الجيران. الاحتمال الأكبر أن يستطيع الجيش والسلطات الأمنية الحفاظ على سلامة باكستان, ولكن هناك احتمالات أخرى قد لا تخدم استدامة العلاقات بين المملكة وباكستان.
لدى باكستان ثقل سكاني وتقنية ذرية واهتمام معنوي بالمملكة, تأسيس باكستان أتى على خلفية إسلامية, يرى الكثير في باكستان أن المملكة تشكل عمقا عاطفيا وبعدا استراتيجيا. التناغم الديني والمصالح السياسية المشتركة تشكلان الأرضية الصلبة لعلاقة عميقة ثابتة بين البلدين. على النخبة المدنية في باكستان التغلب على المصلحة الشخصية والرغبة في الانتقام, وتعميق البعد المؤسساتي في حياة باكستان السياسية والاقتصادية.
نجاح باكستان يساعد المملكة على تحقيق الاستقرار الإقليمي والتعاون في المجالات كافة.
ستبقى باكستان مهمة ولكن يتطلب الوضع مراقبة دقيقة وحذرا من الوقوع في فخ عدم صبر الباكستانيين مع تآكل هذا النموذج والانقسامات الإقليمية والمذهبية.
المحافظة على نزاهة الدور السعودي مع تفادي مزالق السياسة الباكستانية الداخلية بما في ذلك من لوم على الدول الأخرى من قبل بعض الأطراف حينما تتعمق المشكلات الداخلية. الرهان على البعد الاستراتيجي في العلاقة بين البلدين هو الرهان الأسلم.