تحديات تواجه صناعة التمويل الإسلامي

[email protected]

هناك كل يوم خبر جديد عن عملية استثمار متوافقة مع الشريعة الإسلامية سواءً كانت عملية تمويل للمؤسسات أو الأفراد أو عملية إنشاء لمصرف جديد. مما يدلل على عملية نمو كبيرة في أنشطة التمويل الإسلامي التي أصبحت نداً قوياً لأنشطة التمويل التقليدية في منطقة الخليج بالتحديد، إذ يقدر حجم سوق رأس المال الإسلامي في العالم بترليون دولار أمريكي. أمثلة على التوسع الكبير في أنشطة التمويل الإسلامية أخبار طالعتنا بها وكالات الأنباء الأسبوع الماضي فقط: الأول قيام ثلاثة بنوك خليجية بتأسيس ثلاثة بنوك إسلامية للاستثمار في قطاعات البنية التحتية التي تشمل الطرق والمدارس وخدمات الصرف الصحي والخدمات الصحية والزراعة برأسمال 2.8 مليار دولار مع إمكانية زيادتها إلى عشرة مليارات دولار. الخبر الثاني افتتاح بنك الهلال وهو بنك مملوك بالكامل لحكومة أبوظبي يخطط لنشر عملياته في أنحاء الإمارات كافة. الخبر الثالث هو أن عملاق التمويل الإسكاني الماليزي كاقماس Cagmas يخطط لدخول عمليات التمويل الإسكاني في الخليج. هذا بجانب إنشاء عدد كبير من البنوك الإسلامية خلال الفترة الأخيرة مثل: بنك الإنماء، بنك إثمار، بنك نور، بنك الخليجية التجاري بقطر، وتحول الكثير من البنوك التقليدية إلى النشاط المصرفي الموافق للشريعة الإسلامية. كذلك دخول الكثير من المؤسسات الخاصة نشاط التمويل الإسلامي من خلال إنشاء بيوت تمويل تركز على نشاط معين كالتمويل العقاري وآخرها خبر بدأ المرحلة الثانية من نشاط الشركة السعودية لتمويل المساكن، التي تمثل نتيجة تضافر جهود أربع من المؤسسات المالية والعقارية هي: البنك العربي الوطني وشركة مملكة التقسيط وشركة دار الأركان ومؤسسة التمويل الدولية لتأسيس شركة تتخصص في إقراض المساكن وبشروط ميسرة للمواطنين السعوديين.
هذا النمو الكبير على الرغم من أنه نمو إيجابي في مجمله، إذ يمثل استجابة لمتطلبات شريحة كبيرة من المستهلكين، إلا أنه أيضاً سيواجه الكثير من التحديات. هذه التحديات تتنوع بين تحديات تتعلق بكيفية تشريع المنتجات الإسلامية وبين تحديات تنظيمية تتعلق بالتنظيم القانوني لهذا النوع من الأنشطة والثالث يتعلق ببعض المشاكل التمويلية التي يواجهها النشاط المصرفي الإسلامي والتي تحد من قدرته على التوسع الرأسي وتزيد من مخاطر الاستثمار فيه. فعلى صعيد الأسلمة (أو تشريع هذه الأنشطة من الناحية الإسلامية) واجهت صناعة التمويل الإسلامي أكبر تحد لها عندما صرح الشيخ تقي الدين عثماني بأن أكثر من 80 في المائة من الصكوك الإسلامية المصدرة لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية. وهذا يدلل على أن هناك أزمة في صناعة الأسلمة للمنتجات التمويلية تتمثل في عدم توحيد عملية التشريع والإفتاء في هذا القطاع واعتمادها بشكل كبير على الجهد الفردي. لذلك ليس غريباً أن تشير الصحافة العالمية ومن ضمنها مجلة الفوربس إلى الـ 20 فقيهاً الذين تمثل آراؤهم الفقهية القول الفصل في أسلمة المنتجات التمويلية. هذا الأمر لا ينطوي على ميزة إيجابية كما قد يظن البعض وإنما يشكل مركزية كبيرة تحد من قدرة هذا القطاع على النمو والتقدم, كما أنها تزيد من مخاطر الاستثمار في قطاع التمويل الإسلامي. لذلك فإن هناك حاجة ماسة إلى وضع معايير ومؤسسات تأهيل تمكن من دخول أجيال جديدة من العلماء قادرة على النهوض بصناعة أسلمة منتجات التمويل وتحديد إطار مهني تعمل فيه هذه الصناعة التي لا تقل في أهميتها عن أي مهنة أخرى كمهنة المحاسبة القانونية.
التحدي الثاني يتعلق بالبيئة التنظيمية الحاضنة لتلك الاستثمارات. إذ إن البنوك المركزية لا تفعل الكثير لأجل تطوير بيئة تنظيمية مصرفية تستطيع أن ترعى هذا القطاع. والبنك المركزي البحريني يعد استثناءً من هذه القاعدة، إذ يعمل البنك المركزي البحريني على تطوير قاعدة صلبة للاستثمار في هذا المجال مما سيجعل من البحرين مرجعاً للتمويل الإسلامي في مختلف جوانبه. من هذه الجوانب مثلاً تطوير معايير محاسبية موحدة تشكل مرجعاً لعملية الإفصاح المالي للبنوك وشركات التمويل الإسلامي. وهذا سيزيد من كفاءة التحليل المالي لاتساق البيانات الصادرة عن تلك الشركات. وقد سعت البحرين إلى تبني هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI التي تضطلع بمهمة وضع معايير المحاسبة والمراجعة المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية ، كما تقدم الهيئة عدداً من البرامج المهنية لتأهيل المراجعين القانونيين في هذا المجال. والمجال الآخر التي عملت البحرين على تبنيه هو إنشاء السوق المالية الإسلامية الدولية IIFM التي تضطلع هي الأخرى بعملية تطوير العقود المالية وجعلها موحدة ليسهل عملية تداولها من خلال الأسواق الثانوية.
وأخيراً يمثل التحدي الأخير المتعلق بتوفير أدوات تمويل قصيرة الأجل تمكن المصارف الإسلامية من تنويع محافظها الاستثمارية أكثر التحديات صعوبة. إذ إن طرق التمويل الإسلامية في غالبها تنطوي على تمويل طويل الأجل كالمرابحة مثلاً، وهذا يفرض على البنوك الإسلامية إما الاحتفاظ بسيولة كبيرة لمواجهة حاجاتها التمويلية العاجلة أو اللجوء إلى الخيار الثاني وهو استخدام المرابحة القصيرة الأجل، التي تتميز بانخفاض أرباحها وارتفاع مخاطرها. وهذا دعا الكثير من المتخصصين في التمويل الإسلامي إلى محاولة استحداث وسائل تمويل قصيرة الأجل تمكن البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية من استثمار السيولة المتوفرة لديها. وفي هذا المجال أيضاً يعد البنك المركزي البحريني رائداً حيث يعمل على تصميم عقود إعادة شراء لسندات مدعومة بصكوك إجارة. وستكون هذه الأداة الاستثمارية متوفرة لكل من البنوك الإسلامية والتقليدية على حد سواء، مما سيحل من مشكلة السيولة القصيرة الأجل التي تواجهها المؤسسات المالية الإسلامية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي