وزارة التربية والتوعية والتعليم

[email protected]

نعاني ضعفا في درجات الوعي في جميع المجالات الصحية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والأمنية.. إلخ، وهو ما جعل أفرادا في المجتمع السعودي يشكلون جزءا من أي مشكلة يواجهها المجتمع بدل أن يكونوا جزءا من الحل، حيث تشكل معارفهم وما ترتب عليها من مواقف عقبات لا حوافز للجهات المعنية بالتنمية ومعالجة المشكلات، وهو ما يستدعي تكثيف المؤثرات الخارجية على سلوكيات الأفراد لمعالجة القضايا بدل الاستناد بشكل كبير إلى المؤثرات الداخلية (القناعات) للحصول على السلوكيات الإيجابية المنشودة حيال أي مشكلة أو قضية.
ولنأخذ المشكلة المرورية مثالا حيث ارتفاع معدلات الحوادث والوفيات والخسائر المادية التي تقدر بالمليارات سنويا فضلا عن الأزمات النفسية التي نعانيها جميعا عندما نقود سياراتنا في شوارع مدننا المكتظة بالسيارات والقادة الذين يفتقدون أبسط مبادئ التعامل المروري مع الطريق وقائدي السيارات الآخرين، نعلم أن المشكلة المرورية تعود لسببين رئيسين: الأول ضعف درجة وعي قائدي السيارات بالأنظمة والأخلاق والذوق المروري (مؤثر داخلي)، والثاني ضعف في الرقابة والمحاسبة المرورية (مؤثر خارجي)، وكلنا ثقة أن إدارة المرور تبذل قصارى جهدها لتعزيز الرقابة والمحاسبة المرورية ولقد حققت نتائج باهرة خصوصا فيما يتعلق بالحد من حالات تجاوز الإشارة الحمراء والسرعة فوق المعدل حتى بات الجميع يخشى المرور السري أن ينقل سيارته إلى الحجز وينقله إلى التوقيف وينقل جزءا من راتبه من حسابه إلى حساب وزارة المالية كغرامة على سوء فعله.
أما السبب الأول فرغم ما بذلته إدارة المرور من جهود توعوية إلا أن السبب ما زال قائما ونحن لا نلوم إدارة المرور هنا ذلك أن مخالفة أنظمة المرور حال غياب أعين رجال المرور (المؤثر الخارجي) تتعلق بوعي ضعيف تشكل عبر سنوات العمر، حيث ضعف الإحساس بالآخر والاحترام المتبادل والإيثار بإفساح الطريق، وعدم الاهتمام بمعرفة أنظمة المرور قبل قيادة السيارة والإقلاع بها في الطرق كأداة قتل بدل أن تكون أداة نقل.
اطلعت على كثير من خطط التوعية للتقليل من مخاطر المرور، والتدخين، والمخدرات، والإرهاب الفكري والمادي، والسكر، والضغط، والإيدز، والعنف الأسري، والطلاق.. إلخ) وخطط التوعية التي تستهدف تعزيز مبادئ الحوار واحترام الآخرين والتعايش والتعامل في الأسواق المالية وتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة.. إلخ)، ولقد وجدت عاملا مشتركا في كل هذه الخطة، حيث تسعى جميعها للوصول لطلبة المدارس في مختلف مستويات التعليم العام (رياض أطفال، ابتدائي، متوسط، ثانوي) على اعتبار أن مراحل الطفولة والمراهقة هي المراحل الأهم في غرس القيم والمفاهيم والمعارف لتشكيل وعي سليم ومتكامل حيال جميع المشكلات والقضايا ليتسلح أفراد المجتمع بالمؤثرات الداخلية التي تسهم بدرجة كبيرة في معالجة كافة المشكلات التي تواجه الأجهزة الحكومية بأقل جهد وتكلفة ووقت، ولكم أن تتصورا حجم الجهد والمال الذي تحتاج إليه إدارة المرور في بلادنا لو أن معظم أفراد المجتمع يعون ويحترمون أنظمة المرور وآدابه ولا يخالفونها، بالتأكيد سيكون قليلا جدا كما هو الحال في الدول الإسكندنافية إذ يندر أن ترى سيارة أو رجل مرور ينظم السير، حيث الالتزام الخيالي بأنظمة وآداب المرور والذوق الرفيع الذي يتمناه كل منا لبلده.
كما وجدت أن معظم حملات التوعية تعاني ضعف التمويل، حيث تسعى جميع الجهات القائمة على تلك الحملات التوعوية للحصول على الرعايات التي يصعب الحصول عليها، وهو ما يجعل هذه الحملات التوعوية حملات ضعيفة ومتقطعة وغير فاعلة، كما لاحظت أن تكاليف فرق تنظيم الأنشطة التوعوية ومستلزماتها في المدارس مرتفعة وتستهلك الكثير من الجهد والوقت، ويعاني منفذوها ضعف تعاون إدارات المدارس في تنفيذها بالصورة السليمة على اعتبار أنها لا تشكل هما كبيرا بالنسبة لإدارات المدارس إن لم تكن تشكل لهم مصدر إزعاج.
فما الحل؟ كيف لنا أن نفعِّل حملات التوعية تلك ؟ كيف لنا نجعل الأنشطة التوعوية في المدارس تحقق أهدافها في تعزيز معارف وتطوير مواقف الطلبة من المشكلات والقضايا ليصبحوا أكثر حصانة ضد الوقوع بها؟ لينعكس ذلك بشكل إيجابي على جودة حياة المواطن والمقيم في بلادنا.
الحل حسب اعتقادي يتمثل بعكس المعادلة حيث تصبح المبادرة تنطلق من وزارة التربية بحيث تتبنى وزارة التربية (وكلنا يعي معنى التربية) التوعية بأهم المشكلات والقضايا التي تواجه الوطن والمواطن في مناهجها وأنشطتها اللاصفية، ومن ثم توجه إدارات المدارس للاستعانة بالجهات الحكومية والأهلية والخاصة ذات الصلة بتلك المشكلات والقضايا لتعزيز قدرات المدارس في إيصال الرسائل التوعوية وترسيخها في أذهان الأطفال والمراهقين لتنقش في عقولهم معارف ومواقف تعزز من قدراتهم على مواجهة ظروف الحياة ومعطياتها ومشكلاتها بعقول راجحة يصعب اختراقها لتشكل حاجزا أوليا صلبا يقيهم من الوقوع في براثن الأمراض والمخدرات والسجائر والمخالفات والإرهاب وغير ذلك.

كلنا ثقة بالقائمين على وزارة التربية والتعليم الذين يتحملون مسؤولية تشكيل معارف ومهارات ومواقف أبنائنا فلذات أكبادنا أن يضعوا التوعية في أعلى سلم أولوياتهم كجزء حاسم في العملية التربوية، فالمجتمع الواعي هو المجتمع الأقدر على مواجهة ظروف الحياة وصعوباتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي