الهيئة العامة للسياحة والآثار والمسؤولية مع المسؤولين

[email protected]

ثقافة الشراكة وتفعيل دور الشريك من خلال العمل الجاد الواضح والمتوازن والمستمر, ثقافة لم تكن حاضرة في لغتنا الإدارية الحكومية بشكل خاص, وعندما بدأت الهيئة العليا للسياحة حينها تعمل من خلال هذا المنظور لم يكن الكثير يستوعب الرؤية الثاقبة للأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة العليا للسياحة, وكان سموه يعلم أنه يدخل السياحة كثقافة وصناعة للمجتمع السعودي الذي لم يتعود على المفهوم والصناعة بل لم يكن مرحبا به, كما أنه يعلم الفجوة الحضارية لهذا المفهوم في عقول ونفوس العديد منا مسؤولين ومستثمرين ومستخدمين لهذه الصناعة الجديدة, كما أنه يعلم عدم وجود تجارب محلية يمكن عرضها بشكل مقنع للعاملين في هذا القطاع والمتعاملين معه.
من هنا جاءت فكرة الشراكة مع الجميع وبناء عليها تم توقيع العديد من الاتفاقيات مع المؤسسات الحكومية والخاصة وأصبحت هيئة السياحة شريكا في برامج التنمية المختلفة على أساس أن السياحة جزء من كل, هذه التجربة في الشراكة تطلبت رحلة أخرى من العمل الجاد المقرون بالحوار المباشر والاطلاع على التجارب الناجحة في مختلف مدن العالم, حتى يستطيع المسؤول التنفيذي أن يعيش التجربة الميدانية ويستمع ويستمتع بها ومعها من خلال اللقاء المباشر مع العاملين في تلك المواقع والاطلاع المباشر على تلك التجارب ومعرفة مدى نجاحها وما تطلبه الأمر من جهود مضفية لتحقيقها.

إن ثقافة يرى الحاضر ما لا يرى الغائب ثقافة حاضرة في أذهاننا وعلى ألسنتنا وقليل منا من يمارسها على أساس أن يعيش التجربة ويطلع على الأمر من قرب دون كلام ينقل أو صورة ترسل ولكن معايشة من أرض الواقع, هذه الثقافة أو الحكمة تبنتها الهيئة العامة للسياحة والآثار من خلال سبر غور التجارب الناجحة في العالم والتي يمكن الاستفادة منها في إعطاء النموذج التنموي الناجح وبناء عليه تم رسم روية ذات أهداف وبرامج للقيام بزيارات لتلك المواقع هذه الزيارات لم تكن لمنسوبي الهيئة فقط وإنما للشركاء الفاعلين من مسؤولين وعاملين في مختلف الأجهزة الحكومية والخاصة الذين سيعملون يدا بيد مع الهيئة لتحقيق أهدافها التنموية التي تنبثق من الأهداف والاستراتيجيات والخطط الوطنية المعتمدة, هذه الزيارات والجولات واللقاءات مثلها مثل المشاركة في المؤتمرات والندوات التي تعج بها مختلف الكليات والجامعات والمعاهد, ولكن الفرق أننا في الغالب نطلع على بعض التجارب في تلك المحاضرات من خلال رصد الباحث ووجهة نظره ولكن في الجولات الميدانية الأمر مختلف, والاختلاف هنا يأتي من المحاكاة لتلك التجارب والاستفادة منها.
إن تجربة الهيئة العامة للسياحة والآثار من خلال توطين ثقافة الشراكة أولا مع مختلف الشركاء ثم الانتقال بتلك الشراكة إلى عمل معرفي واقعي وإيجاد روح العمل الجماعي ودعم فكرة الاستفادة من المبادرات والتجارب الناجحة أوجدت روحا جديدة لأغلب إن لم يكن لكل من شارك في تلك الرحلات, هذه الروح تجلت وستتجلى ـ بإذن الله ـ في تغيير نمط وفكر العاملين في حقل التنمية وجعلهم أكثر تفاعلا مع متطلبات العمل الإبداعي, خصوصا في استغلال المواقع التراثية والتاريخية والحفاظ عليها أولا ثم تحويلها إلى مواقع إنتاج وعمل تعكس ثقافة مجتمعاتنا العمرانية المحلية وهويتها, هذا الحفاظ والاستثمار سيبرز مدارس معمارية وعمرانية واستثمارية جديدا تحاكي هذه المواقع وتستنبط منها العوامل العمرانية والمعمارية الخلاقة التي يمكن رسم الهوية العمرانية من خلالها دون تقليد أعمى أو تدمير أخرق, ولعلي لا أذيع سرا إذا قلت إن في حديثي مع العديد من الزملاء ممن شاركوا في مثل هذه الرحلات اعتراف واقع وواضح في جهل بعضهم بمثل هذه التجارب الناجحة التي اطلعوا عليها وكيف أن المعايشة معها وفيها غيرت جذريا في قناعاتهم, حتى أن أحدهم قال لي إنه على مدار سنوات عديدة وهو يسمع عن أهمية الآثار والتراث ووجوب المحافظة عليها واستثمارها, كما أنه يسمع عن الهوية العمرانية المحلية ولكنه لا يعرف كيف يتعامل مع كليهما, وأكد أنه بعد هذه الرحلة أصبح قادرا على العمل لتحقيق تلك الأفكار, بل أصبح هو والعديد من الزملاء أكثر حماسا في تبني هذه المشاريع والعمل على توطينها في مختلف المدن والقرى وهو ما سيساعد الهيئة العامة للسياحة والآثار على تنفيذ برامجها السياحية والأثرية ومنها القرى التراثية التي تعمل الهيئة على تنفيذها, والتي لاقت العديد من المعارضات في السابق من المسؤولين الميدانيين لغياب التجارب الناجحة في نظرهم.
بناء الإنسان والاهتمام به تعليما وتدريبا وتربية وثقافة والعمل المتأني معه وإعطائه الفرصة لمزيد من التعلم الناضج وحضور الفكر النير والرؤية الثاقبة التي قد تتطلب الوقت الطويل ولكنها تحقق الأهداف من خلال برامج تنموية تدريبية ميدانية تلامس الواقع وتستفيد منه وتنعكس بشكل مباشر وإيجابي على مستقبل التنمية في السعودية ويما يحقق لنا حلم التنمية المتوازنة والشاملة والمستدامة لكامل الحيز الجغرافي في المملكة شاملا ذلك مختلف المدن والقرى ومؤصلا لهوية عمرانية معمارية نتوق إلى رؤيتها وتوريثها للأجيال المقبلة كعربون محبة وولاء وانتماء لهذا الوطن الغالي.
إن تجربة الهيئة العامة للسياحة والآثار تجربة تحتاج إلى إبرازها من خلال التحليل والشرح والحوار والمناقشة ليس للدعاية, وإن كانت تستحقها, ولكن لتقديم نموذج أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه نموذج بني على رؤية واضحة لصناعة سياحة كان يشوبها كثير من الضبابية وتعمل من خلال شركاء متشاكسين, هذه الضبابية والتشاكس أصبحا ينقرضان رويدا رويدا من خلال العمل الجماعي المنظم والهادف الذي يجمع متطلبات التنمية جميعها من اقتصادية واجتماعية وبيئية وحضارية وأمنية وثقافية وانتماء وعطاء. وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء عربي اللسان, إسلامي المعتقد, عالمي الطموح.

وقفة تأمل:
" إلى الدافئة قلوبهم
العذبه كلماتهم
الرائعة صفاتهم"
أسأل الله الذي رفع السماء بلا عمد أن يجعلكم من المقبولين عنده المقربين إليه وأن يجعلنا ممن يصوم نهار رمضان ويقوم ليله وألا يجعلنا ممن ينام نهاره ويسهر ليله مع المسلسلات والمسابقات وينهي شهره أسوأ مما بدأه.
كل عام وأنتم بخير .. وشهركم مبارك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي