الرهن العقاري ومسكن المواطن .. الصورة الحقيقية

في الشهور الماضية نال الرهن العقاري اهتماماً إعلامياً بالغاً من الاقتصاديين والمطورين، لما يتوقعونه من أثر بالغ له في ازدهار سوق العقارات في السعودية. فالجميع يرى أن الرهن العقاري سيؤدي إلى زيادة الطلب على الوحدات السكنية, وبالتالي زيادة الطلب على تمويل شراء المساكن. ويبدو أنه في خضم تلك التغطية لم يتم الاهتمام كثيراً بتثقيف المواطن ما جعل لدى الغالبية من المواطنين صورة غير واقعية عن الرهن العقاري وما يمكن أن يقدمه من خدمة للمواطن عموماً ولذوي الدخلين المتوسط والمنخفض على وجه الخصوص، ولا أبالغ إذا قلت إن بعض المواطنين - إن لم يكن غالبيتهم - لديه أحلام وردية عن الرهن العقاري أدى إلى تأجيل أحلام تمويل امتلاك مسكن العمر، معتقدين أن الرهن العقاري حال صدوره وإقراره سيمكنهم أخيراً من تملك المسكن بل سيقدم مبالغ طائلة تفوق ما يقدمه صندوق التنمية العقاري وفي وقت أسرع في ظل الارتفاع المحموم العالمي والمحلي لأسعار الوحدات السكنية أرضاً ومواد. وهناك بعض الجوانب التي قد لا تكون إيجابية عن الرهن العقاري يجب تبيانها وتبسيطها للقارئ الكريم بعيداً عن المصطلحات التخصصية, مثل: الشرائح المستفيدة من الرهن العقاري، معادلة حساب الرهن العقاري، وثقافة الرهن العقاري.

لمن الرهن العقاري؟
يقسم كل مجتمع وحسب شرائح الدخول المالية إلى عدة شرائح يخدمها قطاع الإسكان، فعلى سبيل المثال هناك شريحة معدومي الدخل الدائم إما بسبب مرض مزمن أو إعاقة دائمة، وغالباً ما يتم توفير السكن لهذه الشريحة بواسطة المؤسسات الاجتماعية الخاصة والعامة مثال ذلك ما تقوم به مشكورة مؤسسة الملك عبد الله لوالديه الخيرية ومؤسسة الأمير سلطان الخيرية ومؤسسة الأمير سلمان الخيرية ومؤسسة المملكة الخيرية وغيرها من الجمعيات الخيرية.
أما الشريحة الأخرى فهي شريحة منخفضي الدخل المؤقت إما بسبب بطالة أو دراسة أو يتم أو بداية السلم الوظيفي أو ارتفاع عدد الأطفال، ما يؤدي إلى انخفاض مؤقت في الدخل يزول بزوال المسببات، وغالباً ما يتم تأمين إسكان لهذه الشريحة بأجور رمزية تتحمل الدولة الفرق في تكلفتها عن أسعار السوق. أما الشريحة الثالثة وهي المهمة, فهي شريحة متوسطة الدخل، وغالباً ما يتم دعم إسكان هذه الشريحة بآليات مختلفة مثل القروض والهبات المباشرة والميسرة وبتقديم وحدات سكنية مدعومة من الدول، مثال ذلك ما يقدمه صندوق التنمية العقاري في المملكة. وتبقى الشريحة الأخيرة وهي شريحة مرتفعي الدخل الذين يحصلون على مساكنهم بدخولهم أو بمساعدة تمويل وقروض من الجهات التمويلية العامة والخاصة مثل البنوك وبنظام (الرهن العقاري). إذن فائدة الرهن العقاري لا تمس مباشرة الغالبية العظمى من السكان ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة وإنما تتركز فائدتها لذوي الدخول ما فوق المتوسط والمرتفع.

معادلة قرض الرهن العقاري
إن ما تقدمه المؤسسات التمويلية قرضاً تحت اسم الرهن العقاري لا يختلف عن أي قرض آخر فيما عدا الضمان للمقرض، فالاعتماد الكلي على دخل المواطن وليس على قيمة السلعة المراد شراؤها (المنزل). ولتبسيط ذلك وعلى سبيل المثال، أن المواطن الذي دخله الشهري تسعة آلاف ريال ويرغب في قرض (رهن عقاري) لمدة عشر سنوات وبفائدة 3 في المائة سنوياً، فالمبلغ النقدي الذي سيحصل عليه (حاضر) ما مجموعة 250 ألف ريال تقريباً ويقوم المواطن بتسديد القرض (غائب) بما مجموعة 360 ألف ريال وبقسط شهري ثلاثة آلاف ريال لمدة 120 شهرا. ولا يهم في المعادلة قيمة العقار الذي ينوي المواطن شراءه, فالمبلغ الذي تقدمه المؤسسات المالية له علاقة مباشرة بدخل المواطن وليس بقيمة العقار المنوي شراؤه.
1. لذلك فغالبية المتقدمين للرهن العقاري لن يحصلوا على أكثر من 250 ألف ريال قرضاً لشراء المسكن, وهو كما يعلم الجميع لا يغطي تكلفة شراء شقة متواضعة. وعندما تساهلت البنوك الأمريكية في تقديم قروض (رهن عقاري) لمواطنين وبقيمه أكبر من دخولهم ولم يستطيعوا السداد لجأت البنوك أخيرا إلى بيع العقارات وبأعداد كبيرة وفي مزادات علنية أحياناً وترتب عليه تردي سوق العقار والاضطرار إلى شطب الديون المقدمة, ما أدى "أزمة الرهن العقاري الأمريكي".

ثقافة الرهن العقاري
نرى في المسلسلات والأفلام عملية بيع العقار (في المزاد العلني) وأفراد العائلة (مرمية) على الرصيف والدمعة والغصة في أعين المالك. هذه الثقافة ليست موجودة في مجتمعنا السعودي ـ والحمد لله ـ أولاً، ثم لحكومة كريمة رحيمة تعودنا منها عدم التردد في عمل ما في وسعها للسهر على راحة المواطن, ولكن ذلك المنظر سيدخل في ثقافة المواطن السعودي في حال إقرار آلية تنفيذ الرهن العقاري, فالمؤسسات المالية (بنوك) لا يملكها شخص واحد وتفكر بعقولها وليس بعواطفها وبالتالي لا يهمه أن ترى عائلة (مرمية) في الشارع بقدر ما يهمها تحصيـل ديونهـا. ولها الحق في ذلك في حال التخلف عن السداد - ولحل تلك المعضلة فالدول أمام خيار إما الدعم المالي للمؤسسات المالية المقرضة كما حصل في أمريكا، أو إجازة تملك البنوك العقارات، وهما أمران أحلاهما مر.

الخلاصة
إن الاحتفاء بالرهن العقاري أنظمة وآليات المستفيد الأكبر منه مؤسسات التمويل (بنوك – مؤسسات مالية) ومقدمو الخدمات (المطورون العقاريون) والمواطنون ذوو الدخل المرتفع، وأخشى ما أخشاه أن تتمادى مؤسسات التمويل في التساهل بالحد الأدنى لمبلغ القرض ما يؤدي إلى وقوع شريحة كبيرة من المواطنين تحت كاهل الديون طويلة الأمد, وبالتالي الاضطرار إلى بيع الوحدات العقارية في المزاد العلني, ما يضع المواطن والدولة أمام إقرار تملك المؤسسات المالية العقارات منعاً لحدوث أزمـة (الرهن العقاري السعودي) ـ لا سمح الله. وتقل كثيراً فائدة الرهن العقاري لشرائح معدومي أو منخفضي أو متوسطي الدخل. والأمل معقود على هيئة الإسكان للتنسيق مع الجهات العامة والخاصة المختلفة لمواجهة متطلبات تلك الشرائح المهمة والكبيرة في مجتمعنا وتسهيل حصولهم على المسكن وقرضه الحسن والميسر الملائم، الذي كما أسلفنا لن يقدم لهم الرهن العقاري القرض الكبير لاقتناء مسكن العمر ولكن إغراقا في الديون أو البيع في المزاد العلني. هذا ومع اعتذاري للقارئ الكريم عن تقديم هذه الحقيقة المرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي