Author

الحماية القانونية للصحافيين أثناء النزاعات المسلحة

|
تُثار في الوقت الحاضر قضية مهمة تتعلق بحماية الصحافيين من الاعتداءات التي تحدث عليهم في أوقات النزاعات المسلحة. إذ يتعرض فريق منهم لعمليات القتل أو الأسر والتعذيب، وهذا أمر يتعارض تماماً مع ما تُقرره قواعد القانون الدولي الإنساني، الذي يُلزم الدول الأطراف في نزاع مسلح بضرورة معاملة المدنيين وأسرى الحرب معاملة خاصة، وأهم هذه القواعد ما يُعرف باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولات الثلاثة الملحقة بها. ولا عجب أن تحرك أعمال القتل والتعذيب الموجهة ضد الصحافيين والإعلاميين الرأي العام العالمي، نظراً لأن هؤلاء يسعون إلى الوصول إلى الحقيقة وكشف الغموض الذي يُحيط بها على أرض الواقع وقت الحدث مهما كلفهم ذلك من جهد ومهما كان الثمن. الواقع أن الصحافيين جنود الحرية، ودعاة الديمقراطية، وحُماة التقدم، وطلائع الإصلاح الوطني والقومي الحقيقي؛ ذلك أن أول واجبات الصحافي وأهمها البحث عن الحقيقة وتحري الدقة، وتحمل مسؤولية الرسالة الإعلامية الصادقة، والالتزام بأمانة المُهمة وشرف المهنة، وتحكيم الضمير المهني وأخلاقيات العمل الصحافي وتقاليده، واحترام القانون العادل وأحكام القضاء النزيه، ورفض المزايدة والابتزاز والإثارة المتعمدة، والمتاجرة والتربح والخلط بين الإعلان والإعلام، والتدليس على الرأي العام، والابتعاد عن إثارة الفتن والنزاعات، والالتزام بمكافحة الفساد والاستبداد. وفي أثناء النزاعات المسلحة التي تشهدها كثير من المناطق في العالم يقوم الصحافي أو رجل الإعلام بدور مهم وبارز في تغطية تلك النزاعات، ونقل صورة حقيقية عنها مباشرة وقت حدوثها إلى الرأي العام داخلياً وخارجياً. ولا شك أن هذه المهمة ـ التي تحمل في أعماقها البحث عن الحقيقة ـ تؤدي إلى متاعب ومخاطر لمن يقوم بها؛ خاصة ألا تفرق القوات المتحاربة بين صحافي ومقاتل من قوات العدو، وبذلك ينال الصحافي أو رجل الإعلام من الاعتداء والأذى مثلما يتعرض له المقاتل من القوات المعادية، وهذا ما يوجب على الصحافي أن يكون متأهباً لمواجهة هذه المخاطر، ومستعداً لتحملها، ومدرباً على كيفية حماية نفسه في مثل هذه الظروف. ومما لا شك فيه أن الاعتداء على الصحافيين أثناء النزاعات المسلحة أصبح أمراً واقعاً ملموساً؛ فعلى سبيل المثال وصل عدد الصحافيين الذين لقوا حتفهم في العالم أثناء أدائهم واجبهم في أوقات النزاعات المسلحة سنة 2003 إلى 42 صحافياً، حيث أسهم الاعتداء على العراق بنصيب كبير في هذه المُحصلة، وكان عدد الضحايا بين الصحافيين إبان الحملة العسكرية أكبر نسبياً منه بين صفوف القوات المسلحة للتحالف. فقد بلغ عدد الصحافيين ورجال الإعلام الذين لقوا حتفهم في العراق منذ بداية العدوان على العراق حتى 8/8/2008, 258 صحافياً وبلغ عدد الجرحى من الصحافيين والإعلاميين 133 جريحاً، وبذلك يكون العراق أكثر الدول فتكاً بالصحافيين. وأشار تقرير صادر عن اللجنة الدولية لحماية الصحافيين إلى أن عدد الصحافيين القتلى أثناء النزاعات المسلحة في العالم بلغ في سنة 2005, 47؛ كما أشار تقرير صادر عن منظمة صحافيون بلا حدود إلى أن 63 صحافياً على الأقل قتلوا في أنحاء العالم عام 2005, وهو أعلى معدل في أكثر من عشر سنوات. ومن ثم فقد أصبحت ممارسة الصحافيين مهامهم في أوقات النزاعات المسلحة أكثر سوءاً في ظل تزايد خطورة تغطية النزاعات المسلحة، إضافة مخاطر الهجمات غير المتوقعة إلى مخاطر الحرب المعتادة، وعدم كفاءة تأهيل الصحافيين وحمايتهم إزاء التطورات المتزايدة الإتقان على صعيد التسليح، واهتمام الأطراف المتحاربة بإحراز النصر في "معركة الصور" أكثر من اهتمامها باحترام أمن رجال الإعلام. وإدراكاً لأهمية الدور الذي يقوم به الإعلاميون بصفة عامة والصحافيون بصفة خاصة تُقرر مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية الغراء حماية قانونية للصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام في أوقات النزاعات المسلحة أثناء تغطيتهم الأحداث على اختلافها. ولكن هناك عدد من التساؤلات تثار بصدد تلك الحماية القانونية؛ أهمها: ما مضمون تلك الحماية؟ وما مداها؟ ونرى أن الحماية القانونية يقصد بها الضمانات القانونية التي تقررها مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء للصحافيين أثناء تغطيتهم الأحداث أثناء النزاعات المسلحة، كما تشمل كذلك الجزاءات التي تقررها تلك القواعد على من يرتكب أعمالاً ضد الصحافيين تنتقص من تلك الضمانات. أي أن الحماية القانونية للصحافيين تقتضي توافر ثلاثة عناصر هي: العنصر الأول: وجود قواعد قانونية يلتزم بها أطراف النزاع بحيث لا يرتكبون أفعالاً من شأنها الإضرار بالصحافيين كأعمال القتل والقبض والأسر وغيرها؛ والعنصر الثاني: وجود قواعد قانونية تقرر جزاءات جنائية وتأديبية يتم توقيعها على كل من يرتكب أفعالاً ضارة بالصحافيين بالمخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني؛ والعنصر الثالث: وجود آلية إجرائية يمكن للصحافي المضرور أو ذويه أو الجهاز الإعلامي الذي يتبعه أن يتبعها وذلك لجبر آثار الضرر الذي ترتب على الصحافي من جراء الأعمال التي ارتكبت ضده، ويتم ذلك من خلال اللجوء إلى جهات معينة كالمنظمات الدولية ذات الصلة. ونخلص من هذا إلى القول إلى أن الحماية القانونية للصحافيين نوعان: النوع الأول: حماية وقائية: تتمثل في القواعد القانونية التي تلزم الأطراف المتحاربة بعدم اتخاذ إجراءات أو القيام بأعمال من شأنها الإضرار بالصحافي بأي صورة من الصور؛ والنوع الثاني: حماية علاجية: تتمثل في القواعد القانونية التي تكفل إصلاح الضرر الذي أصاب الصحافي وذويه من جراء الأعمال الضارة التي أصابته، والآلية التي يُمكن اتباعها لتحقيق ذلك. أما من حيث القواعد القانونية التي تقررها قواعد القانون الدولي الإنساني لحماية الصحافيين والإعلاميين أثناء النزاعات المسلحة فسنتناولها في مقال لاحق ـ إن شاء الله.
إنشرها