صيانة العين المؤجرة

[email protected]

من ميزات العقار تنوع ضروب استثماره والاستثمار فيه, ومن المعلوم أن أعظم أنواع الاستثمار فيه هو نقل ملكيته بالبيع التقليدي أو بأنواع التمويل المتعددة كالتقسيط أو الإجارة المنتهية بالتمليك ونحوها, كما أن من صور كونه مادة للتجارة: رهنه لضمان المديونيات إما باقي قيمته وإما مديونيات أخرى, ومن الصور كذلك: بيع منفعته أو ما يسمى بالإجارة, ومع تعدد هذه الأنواع تتعدد المسائل والصور والاشتراطات وأحكامها وتكثر الخلافات بخلاف غير العقارات من المنقولات, ومما يزيد في هذه المسائل تجدد صور الانتفاع, واشتراطات الضمان ونحوها في كل عصر عن غيره وتغير الأعراف في ذلك, وهو ما يفسر الكم الهائل من الكتب والبحوث والدراسات في القديم والحديث، المخصصة للعقار فقط, وقد أشرت إلى بعضها في مقالات سابقة.
ومن المسائل المتعلقة بالإجارة وتحدث فيها خلافات كثيرة: صيانة العين المؤجرة, وعلى مسؤولية من تكون, وللإجابة عن ذلك لا بد من القول إن هناك نوعين من الصيانة يردان على العين – في الجملة-, الأولى: الصيانة التشغيلية, ويقصد بها: صيانة العين ليتمكن المستأجر من الاستمرار في استخدامها مثل: تغيير وإصلاح أجهزة الإنارة والتكييف ونحوها, وما من شانه أن يكون محلا للانتفاع والاستهلاك, ونص الفقهاء على أن هذا النوع من الصيانة يقع على عاتق المستأجر, والأخرى: الصيانة الأساسية, وهي المتعلقة بأصل العقار – غالبا- وتتعلق بإمكانية الانتفاع بالعين من الأساس, وقد قرر الفقهاء أن هذا النوع يلزم المؤجر ولا يتحمله المستأجر, كما قرروا أنه لا يجوز اشتراطه في العقد واعتباره من مسؤوليات المستأجر, واعتبروا ذلك من الشروط الباطلة, وهذه من المسائل التي يتدخل فيها المشرع رغما عن إرادة المتعاقدين لما في ذلك من جهالة فاحشة وغرر ظاهر يوجب المنازعات واختلال موازين الحقوق, وقد نص على منعه عدد من المجامع الفقهية ومنها قرارا مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم (110) ورقم (94).
ومن النصوص الفقهية المتعلقة بالقسمين المشار إليهما: قول ابن قدامة في المغني:"وعلى المكري ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم مفاتيح الدار والحمام لأن عليه التمكين من الانتفاع, وتسليم مفاتيحها تمكين من الانتفاع فوجب عليه.., وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة فعلى المكتري ", وقول ابن مفلح في الفروع: "وما كان من تنظيف على مكتر- مستأجر- كرش وكنس وتنقية الآبار, وما كان من حفظ بنية كبناء حائط وتغيير الجذع على مكر", ومعرفة هذين القسمين وأحكامهما تمنع كثيرا من المنازعات كما أنها تفيد في صياغة العقود بحيث يعلم العاقدان ما لهما وما عليهما.
ولمن أراد التوسع فليراجع البحوث التالية: "الضوابط التي تحكم عقد صيانة العين المؤجرة وتبعية ذلك على المؤجر أو المستأجر", د. محمد عثمان شببير, و :"الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة", د. علي محيي الدين القره داغي, و :"صكوك الإجارة , دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية " لحامد حسن ميرة, وهذا الكتاب باكورة إصدارات المجموعة الشرعية في بنك البلاد , والتي نتمنى أن تستمر ليكون لها دور فاعل في المصرفية الإسلامية , ومادة هذه المقالة مستفادة من هذا الكتاب بتصرف .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي