هل تظن أنك مسحور؟ أو ربما محسود؟ 2 من 4

تحدثنا في المرة السابقة عن الوسوسة بالسحر والعين والجن وبدأنا في استعراض وتفنيد حجج المغالين في هذا الأمر وها نحن نكمل هنا:
2. أعرف أشخاصا مروا بهذه التجربة, ويبدو أن الكل يعرف زميلا أو قريبا أو صديقا لصديق أصابه مس من جن أو سحر أو حسد وانقلبت حياته رأسا على عقب وسعى بكل السبل فلم ينفك عنه ما أصابه...وفي حين أنه لا يصح إنكار وجود بعض هذه الحالات على الإطلاق إلا أن كثرتها (الوهمية غالبا) تثير التساؤل التالي: لماذا لم يكن الناس في صدر الإسلام من عهد النبي إلى خلفائه وحتى عهد التابعين مشغولين بهذه الأمور؟ بل لماذا لم يكونوا يتناقلون هذه الأخبار والقصص, فنحن وصلتنا آثارهم والمتمعن فيها لن يجد إلا القليل القليل من هذه الحكايات. كما أنه لم يُعرف لديهم المتخصصون في فك السحر والعين وإخراج الجن من الناس كما انتشر لدينا, فهل كان هؤلاء ضعيفي الإيمان بالغيب؟ بالطبع لا, بل إن إيمانهم كان أقوى في العموم منا, ولكنهم كانوا قوما عقلاء يتبعون منهجا واضحا منضبطا معتدلا في حياتهم فلا مجال للتوسع في توهم غيبيات معينة.فإن أصاب أحدهم بلاء لجأ إلى ربه وتوسل إليه ومن ثم بحث في الأسباب المشروعة .
وإذا أخذنا مثلا موضوع المس والجن وجدنا أنه لمن المنطق استنتاج أن (المسكون!) قد يكون مريضا نفسيا اختل التوازن الكيميائي والعصبي في مخه لسبب أو لآخر وأدى لتلك الأعراض, وقد يصلح حاله بحبة دواء عوضا عن الشعوذة التي تمارس.كما أن هناك عاملا مهما يغفله كثيرون في حين أن العلم الحديث أثبته وهو ارتباط الحالة الجسدية بالحالة الروحية والنفسية ارتباطا وثيقا ومباشرا فجهاز المناعة مثلا يتأثر تأثرا كبيرا بالقلق والاكتئاب والسخط والغضب المتراكم وهي جميعا حالات منتشرة للأسف وتعمل عمل السم في الجسم. كما أن توهم المرض واستيلاء الهوس به على العقل لا يلبث أن يتحول إلى واقع ملموس ولا يلومَن الشخص بعد ذلك إلا نفسه..وقد وضَح لنا الله عز وجل ذلك في الحديث القدسي حين قال :"أنا عند ظن عبدي بي." وما ينطبق على المرض ينطبق على الوهم بالسحر والحسد والمس كذلك. وقد يجيب المتعصبون للخرافة ببساطة أن الوهم والحالات النفسية هي في حد ذاتها نتيجة لسحر أو عين, ويبدو أنه في نظرهم لا مسبب لأي ظاهرة سلبية ومبهمة في الكون إلا هذه الغيبيات وقد ينتهي بهم الأمر إلى الاعتقاد بأن الزلازل والبراكين هي بسبب عين حسود, أو أن الحروب المدمرة نوع من السحر المدفون في كهف ما وفي حال وُجد وفُك انتهت الحرب وعَم السلام...فما أسهل وأبسط هذا التفكير! وبسبب هذه الأخطاء في التفكير يصدق الناس تلك القصص ويتداولونها مما يجعلنا في حلقة مفرغة يغذي فيها كل فرد الوسواس الجماعي إلى ما لا نهاية إلى أن تقرر ثُلةٌ من الناس كسر هذه الحلقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي