الذهب الأزرق .. عملة استثمارية

الذهب الأزرق هو الماء، وهو ما يعيش عليه كل كائن حي، إضافة إلى أهميته الشديدة في كل مناحي الحياة. لا بد أن نعلم أن نسبة المياه العذبة الصالحة للاستهلاك البشري لا تتجاوز 0.5% من إجمالي المياه على وجه البسيطة، حسب إحصائيات الأمم المتحدة في العام الحالي.
تبلغ حصة المواطن الخليجي من المياه 500 لتر مثلاً مقارنة بـ50 لترا في مناطق أخرى من العالم العربي، بناء على تقرير للبنك الدولي في عام 2024. ومن المفارقات أن إنتاج كيلوجرام واحد من البطيخ يستهلك 200 لتر من الماء حسب المعهد العالمي للمياه.
أنتج هذا التأزم الواضح والحاجة الملحة إلى الماء كثيرا من الأزمات الجيوسياسية خصوصاً في منطقتنا العربية، وغير بعيد عنا الخلافات على نهري الفرات ودجلة وما نتج عنها من صدامات سياسية، لكن يبقى سد النهضة الإثيوبي مثالا مهما، حيث يوضح المفارقات التي يمكن أن تكون جزءاً من الواقع القادم في العالم. إثيوبيا على سبيل المثال سيولد لها السد 6450 ميجاوات من الكهرباء وهذا يغطي 60% من احتياجها ويحقق عائدات بمليار دولار في السنة، أما مصر فستفقد 18% من حصتها المائية وهذا يؤثر سلباً في أراضيها الزراعية، إضافة إلى إشكالات أخرى، كما أن السودان يواجه خطر انهيار سد "الروصيرص" في حال انهيار سد النهضة، وهو ما سيكلف الدولة خسائر بمليارات.
وطرحت السعودية مبادرة تأسيس المنظمة العالمية للمياه هي مبادرة تهدف لإنشاء منظمة عالمية مقرها الرياض لمواجهة تحديات المياه العالمية. تم التوقيع على ميثاق تأسيس المنظمة في مايو 2025، وتتمثل أهدافها في توحيد جهود الدول والمنظمات لمواجهة تحديات المياه، وتبادل الخبرات التقنية والابتكار، وتمويل المشاريع المائية ذات الأولوية، وتعزيز الوصول المستدام إلى المياه للجميع.
وتم الإعلان عن تأسيس المنظمة في سبتمبر 2023، ثم تم توقيع ميثاق تأسيسها في مايو 2025 خلال حفل في الرياض، وسيكون مقرها في العاصمة السعودية الرياض. ومن الأهداف الرئيسية لها: تعزيز التعاون الدولي: توفير منصة متعددة الأطراف لتعزيز الحوار بين الدول لمعالجة قضايا المياه. الابتكار والبحث والتطوير: تشجيع تبادل التجارب التقنية والابتكار العلمي لتطوير حلول نوعية. تيسير التمويل: تسهيل تمويل المشاريع المائية ذات الأولوية في الدول الأعضاء، خاصة دول الجنوب العالمي. ضمان استدامة الموارد المائية: تحقيق رؤية ورسالة موحدة تركز على استدامة الموارد المائية والوصول الشامل إليها. وشاركت في تأسيس المنظمة دول مثل السعودية، والكويت، وقطر، وإسبانيا، واليونان، والسنغال، وباكستان، وموريتانيا.
وأعلنت السعودية عن تكفلها الكامل بالميزانية التشغيلية للمنظمة لمدة 5 سنوات، ودعم مستمر لدورها العالمي في مجال المياه.
وعلى الصعيد نفسه، يستدعي الأمر وجود حلول مبتكرة تهدف إلى تحويل الأزمات إلى فرص، ومن ذلك تحلية المياه بالطاقة المتجددة ومن أهم أمثلتها إنشاء أكبر محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في الجبيل تنتج 1.5 مليون متر مكعب في اليوم بتكلفة تتجاوز الريال بقليل بدلاً من التكلفة السابقة التي كانت تصل إلى 10 ريالات. وفي الإمارات يستخدم الذكاء الاصطناعي في ري المزارع من خلال أجهزة استشعار ترصد الرطوبة في التربة، ما وفر 50% من استهلاك المياه إضافة إلى زيادة في الإنتاج تصل إلى 29% من خلال مشروع "مزارع بادر" في أبو ظبي.
من الحلول المبتكرة إنشاء سوق المياه الافتراضية، وهي تجربة أسترالية يتم من خلالها تداول حقوق المياه كأسهم في البورصة، حيث يبلغ سعر المتر المكعب في الموسم المطير 0.5 دولار ويرتفع ليصبح 8 دولارات في موسم الجفاف، يبلغ حجم التداول في هذه السوق 4.5 مليار دولار (إحصائية عام 2024).
اقتصادات المياه: يتوقع أن يبلغ حجم سوق أجهزة ترشيد المياه 25 مليار دولار في عام 2030، حيث الصراع بين الشركات والحكومات حول احتكار البيانات التي توفر الفرصة لحصة أكبر في السوق، أما المزارعون فهم بحاجة إلى الدعم الحكومي للتحول إلى طرق ترشيد مثل التنقيط، وقد ينتج عن التنافس انهيار قدرة المزارعين الصغار إذا ارتفعت أسعار المياه. تصدر بعض الدول الخليجية المياه المعدنية.
يحكم مستقبل المياه عدد من العناصر المهمة، فحروب المياه مرشحة للتأثير في النظام العالمي بدءاً من عام 2030، حيث توقع البنك الدولي أن تعاني 40 دولة صراعات بسبب المياه، منها باكستان والعراق ونيجيريا. وتعمل منظمة التجارة العالمية على فرض ضريبة مياه افتراضية على المنتجات كثيفة الاستهلاك للمياه مثل القطن والألبان.
هذا يثبت أن المياه هي عملة جيوسياسية قادمة ستحفز ارتفاع الاستثمار في التقنيات المائية بنسبة 8% سنوياً، ولا بد من الانتباه إلى الخسائر المحتملة لشح المياه، التي سيهاجر بسببها 700 مليون إنسان بحلول عام 2030.

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي