العالم ليس سلة مهملات !
هل تذكرون حديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)؟ لا أظن أحدا لا يعرفه, فقد درسناه مرارا و تكرار في المدرسة ولكن لا يبدو أن ذلك أثمر نتائج .. وأذكر أن إحدى معارفي علقت على هذا الموضوع قائلة: "ولكن ألا يعني ذلك أنه لا بد أن يكون هناك أذى لأميطه؟" إذا لا بد أن نفقر الناس حتى نجد من نتصدق عليه! أو ننوي الذنب والاستغفار معا حيث كيف نستغفر إن لم نذنب؟! لقد فات من يستخدمون هذا المنطق أن تقرير الواقع لا يعني الحث عليه.. ليس المقصود أن تلقي الأذى في الطريق بنية أن تنفع غيرك الذي يميطه فيكسب أجرا, بل المقصود لفت النظر لسوء هذه العادة وفضل من يحاربها, ومن الأولى أن يبدأ بنفسه فيميط أذاه عن الناس.
ولكن بالنظر لسلوك الناس في الشارع وفي المستشفى بل في المسجد نجدهم يطبقون العكس تماما, فأينما ذهبت رأيت المهملات من علب المشروبات وأغلفة الحلوى والمناديل وغيرها ملقاة على الأرض. لماذا؟ أليس الجهد المبذول في إلقاء شيء على الأرض ــ إن صحت تسميته جهدا ــ يساوي تقريبا الجهد في إلقائه في المكان المخصص؟ أم أننا نثق بوجود شخص يلملم أوساخنا من ورائنا؟ هل يرضيك أن تكون ذلك الشخص الذي يترك توقيعه المميز أينما حل في صورة كومة من الأوساخ المتراكمة؟.. أتمنى أن تكون الإجابة بالنفي القاطع!
وقد يفكر أحدكم في نفسه: نعم, لا شك أنه سلوك سيئ ولكن تأثيره لا يكاد يذكر..فلم الاهتمام؟ سؤال يثير الدهشة، ولكن كثيرا من المسلمات البديهية باتت محل نقاش هذه الأيام . والجواب يتلخص في الآتي:
1 . إن منظر المخلفات الملقاة على الأرض منظر بشع يدل على مستوى حضارة الناس, كما أن المكان الممتلئ بالأوساخ يجذب مزيدا من الأوساخ؛ لأنه يترك انطباعا بأن لا اهتمام بنظافة هذا المكان.
2 .تجمع الأوساخ ينادي قبائل الحشرات والفئران، ولا أظن أن أحدا يحب ذلك, إلا إن كنت ــ من باب الرحمة بالحيوان ــ تقصد توفير البيئة المريحة والمناسبة لهم!
3 . في حالة نشوب حريق تزيد هذه البقايا من سرعة انتشار النيران.
والسبب الأقوى أن إماطة الأذى عن الطريق جزء من الإيمان بل مقترن بالتوحيد الذي هو قلب الدين كما في الحديث السابق، وفي حديث آخر "إماطة الأذى عن الطريق صدقة" فماذا يكون إلقاء الأذى إذا؟!