ولكن لماذا أنصت، وكيف؟ (2 من 2)

[email protected]

تحدثنا في المقال السابق عن ندرة فن الإنصات مع أهميته وآثار هذا القصور. ولكن يبقى وصف المشكلة مجرد خطوة أولى على طريق الحل.فالطبيب الذي يشخص لك مرضك ثم يهمل وصف العلاج اللازم لا يؤدي دوره .. لذا أود أن أتطرق لليوم لعلاج قضية الإنصات الذي يتلخص في سؤالين اثنين تذكرنا إجابتهما بما نسينا:ما الإنصات؟ولماذا ننصت؟
فماذا يعني الإنصات إذا؟لعلنا اتفقنا في المرة السابقة على أنه لا يقتصر على الوظيفة البيولوجية التي تؤديها الأذن, كما أن القدرة على ترديد ما نسمع حرفيا لا تدل هي الأخرى على إتقاننا لذلك الفن.فكلنا نعلم أن الببغاء يسمع الكلام ويردده كما هو,فهل يعني ذلك أنه منصت جيد؟أيمكنك محاورة الببغاء؟لا يعقل أن نتساوى في قدراتنا مع الببغاء مما يعني أننا مسخرون ومجهزون لما هو أكثر و أعمق من ذلك.
ويبدو أن الإنسان اعتاد مطالبة غيره بما ليس فيه, فنحن ندرك جيدا أهمية الإنصات ولكنه إدراك انتقائي و محصور في حالات محددة : التي نكون نحن المتكلمين فيها.فلنتأمل في ذلك..لماذا نحرص على أن ينصت لنا الآخرون؟ مالذي نريده أو نتوقعه منهم؟وعملا بمبدأ عامل كما تحب أن تعامل تبين لنا إجابة هذه الأسئلة كيف ننصت للناس,ولا يسعني إلا أن أتذكر هنا مقولة غاندي والتي سبق أن استشهدت بها :"إذا أردت رؤية تغيير ما في العالم ,فما عليك إلا أن تبدأ بنفسك فتكون أنت بداية هذا التغيير."نعم!إذا أردت أن ينصت إليك الناس, تعلم كيف تنصت لهم..معادلة بسيطة و لكنه السهل الممتنع, إذن فلنتعلم معا.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم :"وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا" ومن المفاهيم المقصودة التجرد من الأحكام السابقة و الأهواء والنوايا المبيتة من عزم على الرفض أو الاستهزاء أو الانتصار للرأي,ومن ثم الاستماع بتركيز و اهتمام بنية المعرفة و الفهم..هذا هو جوهر الإنصات ودونه يفوت الإنسان على نفسه الفهم الحقيقي لمراد المتكلم الذي هو الخالق عز و جل.أما في حال كلام البشر فثمة فرق واحد :كلام الله لا راد له ,وكلام البشر يقبل و يرد, ويبقى الهدف هو فهم قصد المتكلم ,فإن لم تنصت و لم تفهم بات حوارك (كحوار الطرشان) لا يغني و لا يثمر إن لم يضر...
وقد تسألني :لم أطلب الفهم الحقيقي,ما سأستفيد؟ وسأقول لك الكثير الكثير, لا أظنني أستطيع أن أحصيها لك و لكني سأذكر ما يحضرني:
1. إن كان هدفك إقناع من أمامك برأي ما, فسيمكنك إنصاتك له و فهمك لحججه و دوافعه من معرفة مداخله النفسية مما يسهل عليك إقناعه بوجهة نظرك (مع مراعاة أنه مع هذا قد لا يقتنع )
2. على الرغم من اقتناعك الحديدي بصواب رأيك قد تجد و لو واحدا بالمائة من الصواب في رأي صاحبك, فلم لا؟ وأود أن أستثني هنا كل من اتسع علمه ليشمل كل حقائق الحياة ودقائقها ,فمثل هؤلاء – إن وجدوا - لا تحتمل آراؤهم الخطأ!
3. إنصاتك للناس في حال الخلاف وتركهم يعبرون عن مشاعرهم
دون مقاطعة (حتى وإن كانت تلك المشاعر ليست في صالحك) يجعلهم على استعداد أكبر لسماع وجهة نظرك وفهمها مما يفضي إلى تفاهم أعمق وأبقى.
4. الإنصات مصدر ثمين للمعرفة, ولا أقصد هنا المعرفة الأكاديمية بل المعرفة الإنسانية والاجتماعية والتي لا تدرس في الكتب.
5. يتفق الكثير من علماء النفس أن الإنسان لدية حاجة فطرية إلى الإحساس بأن من أمامه يفهمه, وإنصاتك للناس يوجه لهم الرسالة التالية: "إني أهتم لأمرك وأرغب في بذل الوقت و الجهد اللازم لفهمك. "وستلاحظ أنك تحصل على نفس المعاملة – نسبيا طبعا – مع الوقت.
وأكثر من هذا كله سلوك محمد عليه الصلاة والسلام,الذي وصفه أصحابه الكرام بأنه كان ينصت لكل من يقصده ويتوجه بجسده ووجهه للمتحدث, بل لا يصرف وجهه عنه حتى ينتهي .فإن كان خاتم الأنبياء وحامل أعظم وأثقل رسالة على وجه الأرض يولي الإنصات كل تلك الأهمية, ألا نفعل نحن الأدنى مقاما والأخف حملا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي