هل تحسن فعلاً تصنيف الجامعات السعودية عالميا؟!

[email protected]

تعرضت الجامعات السعودية قبل عامين لنقد شديد بسبب تصنيف مغمور لمواقع الجامعات والمراكز البحثية على شبكة الإنترنت لم يسمع به أحد من قبل أعطته وسائل الإعلام في المملكة اهتماماً أكبر بكثير من حجمه بعد وضعه الجامعات السعودية في ذيل قائمة ضمت أربعة آلاف جامعة على مستوى العالم. من ثم فقد جندت معظم الجامعات السعودية موارد ضخمة وجهودا كبيرة بهدف تحسين مواقعها على شبكة الإنترنت، وكان من نتيجة كل ذلك أن تصنيفا جديدا صدر في تموز (يوليو) الحالي أظهر تحسناً ملموساً في ترتيب مواقع الجامعات السعودية، حيث إن جامعة الملك سعود مثلاً أصبح ترتيب موقعها على الإنترنت 380 بين الجامعات ومراكز البحث عالميا والأول على مستوى المنطقة العربية، تلتها جامعة الملك فهد للبترول المعادن بترتب بلغ 420 عالميا، بينما جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا الذي يفترض أنها الأكثر تميزاً بين جامعات المملكة كان ترتيبها 6139 على مستوى العالم بسبب حداثة موقعها على الإنترنت وبالتالي عدم احتوائه على كم كبير من المعلومات يسهم في تحقيقها مركزا متقدما في هذا التصنيف.
ورغم أن النقد الشديد الذي تعرضت لها الجامعات السعودية آن ذاك كان في غير محله، ليس لأنها غير مستحقة له، وإنما لأنه مبني على عدم فهم وإدراك لحقيقة هامشية ذلك التقييم وأنه لا يعدو كونه تصنيفا لمواقع الجامعات على الإنترنت ولا يمثل تصنيفاً للجامعات نفسها ولا يعكس بأي شكل مستواها العلمي، إلا أن من إيجابياته دفع الجامعات السعودية إلى تحسين مواقعها على الإنترنت وإثرائها بمعلومات وبيانات جعلتها أكثر فائدة لمستخدميها. فالجامعات السعودية وجدت أنها تُقَّرع وتلام في أمر يسهل إصلاحه بسهولة وبجهد متواضع نسبيا، لذا فقد حرصت على أن يعتمد لها مبالغ كبيرة تمكنها من تطوير مواقعها على الإنترنت بأسرع وقت ممكن وهذا ما تحقق فعلا.
وكما أن النقد الذي وجه للجامعات قبل عامين في غير محله، فإن هذا المديح والإطراء الذي يُغدق عليها حاليا هو في غير محله أيضا، باعتبار أن هذا التصنيف يمثل فقط تقييماً لمواقع الجامعات على الإنترنت Ranking Web of World Universities ولا يمثل على الإطلاق تصنيف المستوى تلك الجامعات أو تقييما لأدائها العلمي، فيمكن أن يكون تصنيف جامعة ما أقل من جامعات أخرى رغم أنها قد تفوقها مستوى والعكس صحيح. بل إن موسوعة ويكبيديا Wikipedia ذهبت إلى أبعد من ذلك، فأكدت أن موقع الجامعة على الإنترنت ليس حتى من بين عناصر تقييم المستوى الأكاديمي للجامعات ومراكز البحث.
ما يظهر أن احتفالنا بهذا التحسن في ترتيب جامعاتنا لا يقل خطأً عن النقد الشديد الذي تعرضت له قبل عامين نتيجة حصولها على مواقع متأخرة فيه، فهو لا يحمل أي دلالات عن حقيقة مستواها ناهيك أن نعتبره معياراً وحيدا نقيس به مدى التحسن الذي حققته على المستوى العالمي. فوفق تصنيف لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم عام 2007 لم يظهر في القائمة أي جامعة سعودية، بل إن جامعة القاهرة كانت الجامعة الوحيدة في كل العالم العربي التي دخلت في ذلك التصنيف الذي احتوى عشرات الجامعات الآسيوية والأمريكية الجنوبية والإفريقية وبالطبع العديد من الجامعات الإسرائيلية.
إن حل مشكلة التعليم العالي أكبر بكثير من أن تختزل في مجرد تطوير الجامعات مواقعها على الإنترنت لتحسين موقفها في تصنيف أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه هامشي ولا اعتبار له مطلقا عند تقييم حقيقة أداء الجامعات ومستواها الأكاديمي. وهذه الاحتفالية التي نظهرها مظللة وتنسينا واقعاً مختلف تماما يتطلب تغييره جهوداً كبيرة مضنية، فمهمة تطوير التعليم في المملكة والتعليم العالي بشكل خاص أصعب وأكبر من أن يحققها لنا تطوير مواقع الجامعات على الإنترنت، ويحتاج ذلك إلى جهود استثنائية تطور كفاءة أعضاء هيئة التدريس وتحسن مستوى أدائهم وتفعل دورهم داخل وخارج الجامعة، وتضع حداً لثقافة اللامبالاة التي يتصف بها معظم الطلاب التي تضطر الجامعات إلى تخفيض مستوى متطلباتها لتتماشى مع أدائهم المتدني، وترفع كفاءة استخدام موارد الجامعات المتنامية التي تظهر حجم الاهتمام الذي توليه الدولة لهذا القطاع الحيوي، عندها فقط ستستطيع الجامعات السعودية تحقيق اختراق حقيقي يمكنها من اللحاق بقطار الأداء الأكاديمي المتميز عالميا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي