اجتماع جدة للطاقة في الميزان (2)

استعرضنا في المقال السابق أبرز الوقائع التي حدثت قبل انعقاد اجتماع جدة للطاقة، وفي هذا المقال نسلط الضوء على أبرز وقائع الاجتماع الذي انعقد الأحد 18/6/1429هـ الموافق 22/6/2008، وحضره ممثلو 35 دولة منتجة ومستهلكة للنفط و25 شركة نفطية وسبع منظمات دولية، منها منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة، وقد افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الاجتماع بخطاب قال فيه إن "دعوتنا لم تأت من الفراغ ولم تنبع من العدم فقد كانت سياسة المملكة العربية السعودية منذ قيام منظمة أوبك قائمة على تبني سعر عادل للبترول لا يضر المنتجين ولا المستهلكين، وكنا حريصين على مصالح العالم كله، قدر حرصنا على مصالحنا الوطنية، ولقد لقينا بسبب هذه السياسة الكثير من الهجوم ورضينا بالكثير من الأذى، وانطلاقا من هذه السياسة قمنا ولا نزال بتخصيص جزء كبير من دخلنا للمساعدات التنموية". وشدد الملك عبد الله على وجود مجموعة من العوامل وراء ارتفاع أسعار البترول في الآونة الأخيرة قائلا "إن منها عبث المضاربين بالسوق في سبيل مصالح أنانية، ومنها زيادة الاستهلاك في عدد من الاقتصاديات الصاعدة، ومنها الضرائب المتزايدة على البترول في عدد من الدول المستهلكة". وأكد الملك استعداد بلاده تلبية أية احتياجات إضافية من البترول في المستقبل، مشيرا إلى أن السعودية رفعت إنتاجها بالفعل من تسعة ملايين برميل إلى تسعة ملايين و700 ألف برميل يوميا. وطلب من المجتمعين تكوين مجموعة عمل من الدول والمنظمات الدولية التي شاركت في المؤتمر، تحت مظلة الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي، تكون معنية بمتابعة التوصيات التي سيصدرها المؤتمر وتنفيذها ومراقبة التطورات في سوق النفط. وأكد استعداد السعودية دعم مجموعة العمل هذه بكل الإمكانات البشرية والمادية حتى تتمكن من القيام بمهمتها. وأعلن الملك عبد الله عن إطلاق مبادرة "الطاقة من أجل الفقراء"، التي تهدف إلى تمكين الدول النامية من مواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة, ودعا البنك الدولي إلى تنظيم اجتماع في أقرب وقت ممكن للدول المانحة والمؤسسات المالية والإقليمية والدول لمناقشة هذه المبادرة وتفعيلها، كما دعا الملك عبد الله المجلس الوزاري لصندوق أوبك للتنمية الدولية لإقرار برنامج مواز للبرنامج السابق له صفة الاستمرارية، مقترحا أن يخصص له مليار دولار.
وأكد استعداد المملكة الإسهام في تمويل البرنامجين ضمن الإطار الذي يتم الاتفاق عليه. ثم أعلن الملك مبادرة أخرى بتخصيص 500 مليون دولار لقروض ميسرة عن طريق الصندوق السعودي للتنمية لتمويل مشاريع تساعد الدول النامية على الحصول على الطاقة وتمول المشاريع التنموية.
وألقى جوردون براون رئيس وزراء بريطانيا كلمة في الاجتماع ناشد الدول المجتمعة إيجاد طريقة جديدة لاستقرار سوق النفط في العالم، وتأمين الطلب مستقبلا على هذه السلعة الحيوية. ودعا إلى التعاون بين الدول المصدرة والمستهلكة في عمل مشترك تتضامن فيه الجهود بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة لحل مشكلة عدم استقرار أسواق النفط بتقليل الطلب ولو جزئيا على هذه السلعة. وشدد على مسألة ترشيد الطاقة واعتبرها من العوامل التي تؤدي إلى خفض أسعار النفط، إلى جانب خفض أسعار نقل النفط من مكان إلى آخر لتنخفض إلى نحو 40 في المائة من تكلفتها الحالية في السنوات المقبلة. وأكد على ضرورة تنويع مصادر الطاقة وعدم الاعتماد على المصادر التقليدية وحدها، ما يعطي الدول المصدرة للبترول الفرصة للحفاظ على احتياطياتها من النفط للأجيال المقبلة، وطالب الدول المصدرة للنفط أن تفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية في مجال النفط وإتاحة الفرصة للدول المستهلكة للاستفادة منها.
وقال رئيس الوزراء البريطاني في لقاء صحافي إننا "نريدهم ـ أي الدول المصدرة للنفط ـ أن يستثمروا في مصادر الطاقة البديلة في اقتصاداتنا، وأن يسمحوا لشركاتنا النفطية العاملة بفاعلية وكفاءة أن تلعب دورا في إنتاج النفط في الدول المنتجة".
وأفادت بعض التقارير الإعلامية أن وزراء النفط والطاقة في الدول المصدرة والمستوردة للنفط تبادلوا في الاجتماع الاتهامات بالتسبب في ارتفاع أسعار النفط، وأن وزير النفط الإيراني وجه اتهامات مباشرة إلى الولايات المتحدة بالتسبب في ارتفاع أسعار النفط من خلال مجموعة من الأسباب في مقدمتها "أمور سياسية". وذكرت هذه التقارير أن "الوزير الإيراني في الجلسة المغلقة طرح كثيرا من الأسباب التي ترفض الولايات المتحدة اعتبارها من الأمور المتسببة في ارتفاع النفط، واتهمها بتأزيم منطقة الشرق الأوسط ومساعدة إسرائيل على إبقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة توتر، مشيرا إلى إعلانها أخيرا مهاجمة المفاعلات النووية الإيرانية كأحد الخيارات التي أمامها، وإجراء مناورات عسكرية في البحر المتوسط كعمليات افتراضية لأهداف إيرانية". وأضاف قائلا إنه من الناحية الواقعية لا يمكن فصل الأمور السياسية والتوترات التي تحدث في المنطقة والعالم عن النفط، وذكر أن السياسة الأمريكية في المنطقة لا تدعو إلى الاستقرار، وتخلق أزمات متوالدة. وأشار إلى أن أسواق النفط ليست بحاجة إلى زيادة في الإنتاج بقدر ما هي بحاجة إلى أمور أخرى في مقدمتها الاستقرار.
وأوضحت التقارير الإعلامية أن معظم دول "أوبك" أيدت إيران في جوهر طرحها، إلا أنها مع المطالب التي تفرق بين النفط كسلعة عن السياسة.
من جانبه، قال وزير الطاقة الأمريكية صامويل بودمان، إن الدول المنتجة هي سبب ارتفاع الأسعار لعدم زيادتها الإنتاج بما يوازي الطلب العالمي، وطالب دول "أوبك" بزيادة الإنتاج حتى تصل الأسواق إلى الاستقرار وتنخفض الأسعار تدريجيا. وأشار إلى أن الأمور السياسية يجب ألا تؤثر في النفط وأن يتم الفصل بينهما.
ورفض الوزير الأمريكي اتهام بلاده بالتسبب في ارتفاع الأسعار، ودعا إلى حوار حقيقي بين المنتجين والمستهلكين، يؤدي إلى تحمل المسؤولية من الجميع، وذكر أن عدم قيام الدول المنتجة بزيادة الإنتاج في الوقت الراهن سيرفع الأسعار، وأشارت التقارير الإعلامية إلى أن بودمان حاول إلقاء اللائمة على دول "أوبك"، لعدم استجابتها للدول المستهلكة بزيادة الإنتاج، خصوصا بعد رفض دول "أوبك" التي لديها فائض باستثناء السعودية زيادة الإنتاج. من ناحية أخرى، قال شكيب خليل وزير الطاقة الجزائري إنه لم يسمع بأي حديث عن اعتزام أعضاء آخرين في "أوبك" زيادة الإنتاج إلى جانب السعودية.
وذكرت تلك التقارير أن وزير الطاقة والصناعة القطري طالب بوضع "خريطة طريق" لتنفيذ مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بشأن خفض أسعار النفط. وأفادت تلك التقارير أيضا أن مناقشات الاجتماع تناولت موضوع الإفصاح والشفافية في حجم الاحتياطيات النفطية، وهو الأمر الذي يشغل بال الكثير من الدول المستهلكة.
وفي ختام الاجتماع أكد المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي أن السعودية ستمد سوق النفط بمزيد من الإمدادات إذا احتاج الأمر ذلك. كما أعلن الوزير السعودي أن بلاده مستعدة لزيادة طاقة إنتاجها بمقدار 2.5 مليون برميل يوميا إذا كان هناك طلب حقيقي، مشيرا على عزم السعودية استثمار 129 مليار دولار في قطاع الطاقة في السنوات الخمس المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي