اجتماع جدة للطاقة في الميزان (1)

إعمالا للقاعدة الفقهية بأن (الحكم على الشيء فرع من تصوره)، سأستعرض بإيجاز شديد في هذا المقال أبرز الوقائع التي سبقت وصاحبت انعقاد اجتماع جدة للطاقة التي رصدتها من التقارير الإعلامية ثم أستعرض بإيجاز أيضا نتائج هذا الاجتماع ثم أبدي الرأي حول المؤتمر ونتائجه ويمكن إيجاز الوقائع على النحو التالي:
أولا، استمرت أسعار النفط في الارتفاع المطرد حتى بلغت قبل اجتماع جدة نحو 138 دولارا للبرميل وترى منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) والدول الأعضاء أن لهذا الارتفاع المستمر أسبابا تخرج عن سيطرة الدول المصدرة للنفط وليس لها علاقة بقانون العرض والطلب لأن المعروض من النفط أكثر من الطلب، وتتلخص الأسباب الرئيسة لارتفاع الأسعار من وجهة نظر دول "أوبك" في الآتي:
1 ـ تراجع قيمة الدولار الأمريكي التي يسعر بها النفط.
2 ـ المضاربات المحمومة في بورصات النفط وخصوصا بورصات النفط في الدول الصناعية الرئيسية المستوردة للنفط.
3 ـ المشكلات والتوترات السياسية مثل الاضطرابات في نيجيريا التي أدت إلى انقطاع كميات كبيرة من إنتاج النفط النيجيري والتهديدات المتبادلة بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني والخوف من تدمير مرافق النفط في منطقة الخليج العربي وإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط إذا نشبت الحرب بين الطرفين.
4 ـ الضرائب العالية على النفط ومنتجاته في الدول الصناعية الرئيسية المستوردة للنفط والتي تحقق لحكومات هذه الدول دخلا أعلى بكثير من الدخل الذي تجنيه الدول المصدرة من بيع النفط الخام.
ثانيا، في 20/5/2008 وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية كبيرة على مشروع قانون يسمح لوزارة العدل الأمريكية بمقاضاة أعضاء منظمة أوبك أمام المحاكم الأمريكية بتهمة الاحتكار والحد من إمدادات النفط والعمل سويا على تحديد أسعار النفط، لكن البيت الأبيض هدد باستخدام الرئيس الأمريكي حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القانون.
ثالثا، بتاريخ 8/6/2008 انعقد في مدينة أومودي اليابانية اجتماع ضم وزراء الطاقة في الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، وروسيا) إضافة إلى الصين والهند وكوريا الجنوبية وقرر في نهاية الاجتماع بيان أعربت فيه الدول الـ 11 عن قلقها حيال ارتفاع أسعار النفط الخام الذي تضاعف خمس مرات منذ عام 2003، لكن برزت خلافات بين هذه الدول بخصوص سياسات دعم الوقود في بعض الدول، حيث ترى الولايات المتحدة أن هذه السياسات هي أحد أسباب ارتفاع أسعار النفط وأعلن وزير الطاقة الأمريكي أن دعم الصين والهند منتجات في أسواقهما أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة، وبالتالي إلى ارتفاع أسعار النفط، وقال "إن الطلب على النفط يزداد بسبب استمرار العديد من الدول في دعم أسعار النفط في بلدانها وهو ما يجب أن يتوقف". وترفض كل من الصين والهند إلغاء أو تخفيض الدعم عن منتجات النفط بسبب المخاوف من احتمال وقوع اضطرابات اجتماعية وسياسية فيهما، كما أبدى وزير المالية الهندي (بي جدامبرام رفيع) استياءه من تصريحات وزير الطاقة الأمريكي الذي عزا زيادة أسعار النفط إلى زيادة الطلب عليه من الهند والصين، وأوضح أن بلاده متضررة من ارتفاع الأسعار وترغب في انخفاضها، وأشار إلى أن السعودية أعطت بلاده تأكيدات أنها ستوفر لها الكميات التي تحتاج إليها من النفط في أي وقت تشاء.من جهة أخرى دعا كيفن رود رئيس وزراء أستراليا دول مجموعة الثماني إلى إجبار منظمة أوبك على زيادة إنتاجها من النفط.
رابعا، اختلفت آراء الدول الرئيسية المستوردة للنفط حول تشخيص أسباب ارتفاع أسعار النفط وتجلى هذا الاختلاف في مؤتمر دول مجموعة الثماني والذي انعقد يوم الجمعة 13/6/2008، حيث ترى بعض الدول وبينها إيطاليا وألمانيا وفرنسا، أن المسؤولية الكبرى تقع على المضاربين في أسواق النفط وتعارض الولايات المتحدة وبريطانيا هذا الطرح وترى أن السبب في ارتفاع الأسعار يرجع إلى أن المعروض من النفط غير كاف وأنه يجب حض جميع الدول المنتجة على زيادة إنتاجها والاستثمار بهدف زيادة قدرات التكرير ولذلك عارضت الولايات المتحدة وبريطانيا الاقتراح الإيطالي بتقنين المضاربة في عقود النفط الآجلة، وأدى هذا الخلاف في وجهات النظر إلى أن تطلب مجموعة الثماني من صندوق النقد الدولي تقصي أسباب ارتفاع أسعار النفط الذي يهدد الاقتصاد العالمي على أن يقدم الصندوق تقريره لدول هذه المجموعة خلال اجتماع جمعيته العامة المقرر عقده في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2008.
خامسا، في يوم الإثنين 4/6/1429هـ الموافق 9/6/2008 وجه مجلس الوزراء السعودي في اجتماعه الأسبوعي الذي انعقد برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية، بالدعوة لاجتماع قريب يضم ممثلين عن الدول المنتجة والدول المستهلكة للنفط والشركات العاملة في إنتاج وتصدير وبيع البترول للنظر في ارتفاع أسعار النفط ومسبباته وكيفية التعامل الموضوعي معه وأكد المجلس أن الارتفاع الحالي في أسعار البترول ليس له ما يبرره من حيث المعطيات البترولية وأساسيات السوق وشدد على أن المملكة كدولة منتجة رئيسية تدرك أن السوق البترولية لديها عرض كاف من البترول ومخزون تجاري متزايد. وأوضح المجلس أن السعودية تعمل بالتنسيق مع دول "أوبك" والدول الرئيسية المنتجة للبترول على ضمان توافر الإمدادات البترولية حاليا ومستقبلا والعمل كذلك على عدم ارتفاع أسعار البترول بشكل غير مبرر وغير طبيعي مما قد يؤثر في الاقتصاد العالمي وخاصة اقتصاديات الدول النامية.
سادسا، لقيت الدعوة السعودية ترحيبا دوليا واسعا، وقال تويو تاناكا المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة، إن السعودية تقدم من خلال هذه المبادرة فرصة للتصرف الجماعي لنشر الأمان في السوق بالنسبة إلى التطورات المستقبلية. وصرح المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي بأن اجتماع جدة يأتي انطلاقا من حرص السعودية على استقرار السوق النفطية العالمية ويأمل الخروج بنتائج إيجابية تضمن استقرار الاقتصاد العالمي. وقال وزير النفط الفنزويلي رفابيل راميريز، إن "أوبك" تعمل بالفعل للحفاظ على التوازن في أسواق النفط، ولذلك فإن اجتماع جدة لن يكون منتدى لمناقشة الإنتاج، وأن هذا الاجتماع لن يسفر عن اتفاق لتغيير مستويات إنتاج النفط وأن على الدول المستهلكة الرئيسية أن تدرك أن "أوبك" موجودة وأننا نقوم بدور استثنائي في الحفاظ على التوازن في السوق. وصدرت تصريحات مشابهة من شكيب خليل وزير الطاقة الجزائري وغلام حسين نظري وزير النفط الإيراني، حيث قال الوزير الجزائري إن الطلب من "أوبك" زيادة إنتاجها لمواجهة ارتفاع الأسعار هو أمر (غير منطقي وغير عقلاني). أما الوزير الإيراني فقد أكد أن الإمدادات كافية في سوق النفط، وأنه لا داعي لزيادة إنتاج النفط من قبل "أوبك" وأن أوضاع السوق لا تتطلب قرارا جديدا من "أوبك".
وصرح وزير الدولة البريطاني للطاقة مالكوم ويكس، أن السعودية تؤدي دورا مهما من أجل استقرار أسواق النفط واستبعد الوزير البريطاني أن يناقش اجتماع جدة موضوع الضرائب على الوقود، لأن هذا الموضوع حسب رأيه أمر متروك للدول فرادى وأنه من غير الممكن الوصول إلى اتفاق مشترك حول الضرائب، وأرجع الطلب المتنامي على النفط إلى النمو الاقتصادي الكبير لبلدان مثل الصين والهند، مشيرا إلى أن اختلال معادلة العرض والطلب قد يستمر إلى سنوات مقبلة. وقال وزير الطاقة الأمريكي صامويل بودمان إنه لا يوجد دليل على أن المضاربات هي السبب في ارتفاع أسعار النفط معارضا بذلك آراء العديد من الخبراء والمسؤولين في الكثير من الدول المصدرة والمستوردة للنفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي