حتى تؤتي مبادرات النفط أكلها

[email protected]

دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - خلال الكلمة التي ألقاها في اجتماع جدة للطاقة، الذي عقد في محافظة جدة في 22 حزيران (يونيو) من العام الجاري، بإطلاق مبادرة (الطاقة من أجل الفقراء)، التي تهدف إلى تمكين الدول النامية من مواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة، وفي هذا الخصوص قد دعا الملك – يحفظه الله- البنك الدولي إلى تنظيم اجتماع في أقرب وقت ممكن للدول المانحة والمؤسسات المالية والإقليمية والدولية لمناقشة هذه المبادرة وتفعيلها.
المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز – يحفظه الله - (الطاقة من أجل الفقراء)، تزامنت مع إعلان الملك –يحفظه الله-، استعداد المملكة لتخصيص مبلغ 500 مليون دولار أمريكي على هيئة قروض ميسرة من خلال الصندوق السعودي للتنمية، لتمويل مشاريع تساعد الدول النامية على الحصول على الطاقة وتمويل المشاريع التنموية التي تحتاج إليها.
هاتان المبادرتان السعوديتان اللتان أعلن عنهما الملك عبد الله بن عبد العزيز –يحفظه الله-، جاءتا لتعززا من دور المملكة العربية السعودية الرامي إلى التخفيف من معاناة دول العالم المستهلكة للطاقة، وعلى وجه الخصوص الدول الفقيرة والدول النامية، الأمر الذي لا يتأتي من وجهة نظر الحكومة السعودية، سوى من خلال استمرار توفير الإمدادات من النفط لأسواق العالم بشكل مستقر، بأسعار عادلة تعمل على المحافظة على مصالح المنتجين والمستهلكين للنفط على حد سواء.
من بين المبادرات النفطية الإيجابية كذلك للسعودية، التي جسدت سياستها النفطية المتوازنة، المتمثلة في تلبية الطلب المتنامي على النفط بأسعار عادلة، قامت المملكة برفع إنتاجها اليومي من النفط من تسعة ملايين برميل إلى تسعة ملايين و700 ألف برميل، مؤكدة في هذا الخصوص استعدادها لتلبية أي احتياجات إضافية في المستقبل، كما قد أكد معالي المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي في هذا السياق، بأن المملكة تمتلك قدرة فاعلة على استمرار الزيادة الحالية من خلال المواصلة في تنفيذ مجموعة من المشاريع الجديدة، التي ستعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية من الزيت الخام السعودي، بحيث تتمكن المملكة من بلوغ طاقتها الإنتاجية القصوى إلى 12.5 مليون برميل في اليوم بنهاية العام المقبل.
عدد من دول العالم من بينها الولايات المتحدة، إضافة إلى وسائل الإعلام الأمريكية، قد رحبت بإعلان المملكة العربية السعودية عن رفع إنتاجها من النفط، كما قد رحبت بإعلان المملكة عن رصدها مبلغ 500 مليون دولار أمريكي في صندوق للقروض الميسرة لتمويل مساعدة الدول النامية من أجل الحصول على الطاقة، بما في ذلك إنجاز المشاريع التنموية لديها.
دون أدني شك إن مبادرات السعودية العديدة في مجال صناعة النفط الرامية إلى الحفاظ على استقرار الإمدادات من النفط بأسعار عادلة، هي محل تقدير وإشادة جميع دول العالم، ولكن في رأيي لكي تأتي تلك المبادرات والتضحيات من جانب المملكة أكلها وبثمارها، وأن تتحقق الأهداف المرجوة منها، لابد من أن تتكاتف جهود المنتجين والمستهلكين على مستوى العالم، في محاربة الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع أسعار النفط العالمية والقضاء عليها، مثال الأسباب التي كشف النقاب عنها اجتماع جدة للطاقة، والتي أشار إليها كذلك الدكتور راشد أبانمي في مقال نشر له في جريدة "الاقتصادية" في العدد 5356 وهي: (1) المضاربات والاستثمارات الوهمية التي تتم في أسواق النفط العالمية، وبالتحديد التي تتم بأسواق النفط الورقية وصناديق التحوط، ولا سيما أن حجم تلك المضاربات وفقما ورد في مقال الدكتور أبانمي نقلاً عن نشرة (إنتقريتد أويل أبدايت) الصادرة في نيويورك، قد نما في أسواق (نايمكس) في نيويورك و(آيس) في لندن، منذ مطلع العام الجاري إلى نحو 140 مليار دولار أمريكي في اليوم، بينما كانت قيمة تلك التداولات قبل خمس سنوات لا تتجاوز مبلغ تسعة مليارات دولار أمريكي في اليوم، الأمر الذي يؤكد مدى سيطرة المضاربين على سلوكيات العرض والطلب في السوق، بما في ذلك التحكم في الأسعار. (2) الاستهلاك المفرط للنفط لعدد من الدول الصناعية الكبرى، مما أسهم بشكل كبير في زيادة الطلب غير المنطقي وغير المبرر على النفط، والذي يتطلب تبني الدول المستهلكة للنفط سياسات وإتباعها لأنماط استهلاكية، تعمل على التقليل من الاستهلاك الجائر للنفط، لكون ذلك سيسهم بشكل كبير في إحداث التوازن المطلوب بين قوى العرض والطلب على النفط، كما أن ذلك سيساعد على استقرار الإمدادات. (3) مشكلة الضرائب المرتفعة التي تفرضها معظم الدول الصناعية الكبرى على منتجات ومشتقات النفط بحجة المحافظة على البيئة، والتي قد تتجاوز نسبتها 70 في المائة من قيمة المنتج النهائي، مما يتسبب في رفع قيمة المنتجات النفطية بشكل كبير وملحوظ. (4) محدودية الطاقة التكريرية لمصافي النفط العالمية، وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية، مما تسبب في عدم قدرة المصافي على التجاوب مع تلبية الاحتياجات المتنامية لتكرير النفط.
خلاصة القول، انطلاقاً من سياسة السعودية النفطية المتوازنة، وإحساسها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، تجاه استقرار نمو الاقتصاد العالمي، قامت المملكة بعدد من المبادرات النفطية لضمان توفير الإمدادات من النفط للعالم بأسعار عادلة تحافظ على مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، ولكن ولكي تأتي تلك المبادرات أكلها وتتحقق الأهداف المرجوة منها، فإن الأمر يتطلب التعاون الحثيث بين الدول المنتجة والمستهلكة للتوصل إلى الأسباب الحقيقة الكامنة وراء ارتفاع أسعار النفط، والتعامل معها من منطلق الشفافية والإحساس بالمسؤولية المشتركة، لتنعم بذلك دول العالم وشعوبها بالاستقرار والنمو الاقتصادي المنشود، والله من وراء القصد.

- مستشار وكاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي