مستقبل النشاط العقاري في الخليج
نجح نشاط العقارات في دول مجلس التعاون الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية في تحقيق نسب نمو عالية بدأت في إمارة دبي قبل نحو خمس سنوات وانتقلت العدوى بعد ذلك إلى أجزاء أخرى من الإمارات مثل الشارقة وأبوظبي وعجمان، كما أصابت كذلك قطر والسعودية والبحرين وإلى حد ما الكويت، ومع هذا النمو الذي أثرى من ورائه الكثير يخشى المستثمرون اليوم أن يصيب نشاطهم ركود في المستقبل يؤثر في استثماراتهم الحالية والمستقبلية.
وفي الحقيقة أن التخوفات التي تثار حول مستقبل سوق العقار في دول الخليج العربية لم تنطلق من تخرصات أو انطباعات بل بنيت على معطيات داخلية وخارجية لا يمكن تجاهلها، فمن المعطيات الداخلية هناك ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء وحركة الإضرابات من عمالة البناء الآسيوية في الإمارات والبحرين، كما أن الطلب يتأثر دوما بنسب النمو التي تحققها الدول الخليجية وقدرتها على استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وحول المعطيات الخارجية هناك شبح الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وانخفاض سعر صرف الدولار وما قد تسببه أزمة الرهن العقاري من تبعات قد تطول بذيولها دول المجلس وتؤثر في القطاع العقاري.
ولا يمكن لأي مراقب للنشاط العقاري أن يغفل تأثير التشريعات التي لجأت إليها بعض دول المجلس في تقنين الزيادات في عقود الإيجار فهي ستؤثر في حركة هذا النشاط في المدى المتوسط، لكن في المقابل هناك معطيات تبعث على التفاؤل وتنبئ بمستقبل مشرق للنشاط العقاري في دول المجلس ومن ذلك ميل كثير من الشركات الكبرى العاملة في هذا النشاط إلى التطوير الدائم لأدواتها الاستثمارية من حيث الفكر والمنتجات وطرق التمويل، فهي قد تسهم في التقليل من الآثار السلبية السابقة وتحافظ على قوة دفع معقولة ومنتظمة خلال السنوات المقبلة، كما أن البحث عن أسواق لم تصل إلى حد التشبع قد يسهم في تحويل الأنظار إلى رقع جغرافية جديدة وهو ما بدأته فعلا الشركات الإماراتية والكويتية التي تجوب اليوم العالم للبحث عن الفرص الواعدة ومنها بالتأكيد فرص لا تزال مغرية في السعودية التي لا تزال في حاجة إلى مزيد من المساكن والمساحات الإيجارية والمنتجعات والأسواق المبتكرة، وقد بدأ العمل فعلا في مشاريع عملاقة تشارك فيها أو تمتلكها بالكامل شركات إماراتية في مدينة الرياض والمنطقة الشرقية وبعض المناطق الأخرى.
وفي اعتقادي أن الفكر الاستثماري نفسه هو ما سيحدد مستقبل نشاط العقارات في دول مجلس التعاون مجتمعة رغم بعض المؤشرات غير المتفائلة التي ظهرت في بعض دوله، وهو ما يجب أن تركز عليه الشركات الخليجية الصغيرة والمتوسطة أما الشركات الكبيرة فإنها وصلت إلى مرحلة متقدمة في تنويع المنتجات والتصاميم وطرق التسويق المبتكرة والتمويل.
وينبغي ألا نغفل بعض التطورات الحاصلة في الجوانب التشريعية على مستقبل السوق, ففي السعودية ينتظر المهتمون صدور نظام الرهن العقاري وبدأت هيئة الإسكان عملها كما ينتظرون بريبة كبيرة تفاصيل نظام الزكاة على الأراضي التجارية الذي أعلن عنه أخيرا.
وعلى كل حال فإن التنوع في المنتجات والتنوع في الجغرافيا الاستثمارية هو الخيار الأمثل للمستثمرين الكبار في هذا النشاط الحيوي المهم.