تخفيض الفائدة على الدولار ثلاثة أرباع النقطة .. هل كان مبررا؟
يوما الإثنين والثلاثاء الماضيان كانا يومين عاصفين يصعب على المحللين نسيانه، إذ تراجعت البورصات العالمية بشكل حاد في جميع أجزاء العالم وتراجعت قيمة الأصول المملوكة بشكل أسهم في مختلف الأسواق العالمية بما يقارب ستة تريليونات دولار أمريكي. ولحسن الحظ أن الأسواق الأمريكية كانت مغلقة يوم الإثنين الماضي، مما أعطى مقرري السياسة النقدية الفرصة لمراجعة ما يحدث في الأسواق المالية ومحاولة التصرف بناءً على ذلك. فبعد أن تراجعت الأسواق في كل من أوروبا وآسيا بنسب تراوح بين 4 و7 في المائة يوم الإثنين، اجتمع أعضاء لجنة سياسات السوق المفتوحة وبشكل غير عادي عبر اتصال هاتفي ليقرروا تخفيض سعر الفائدة الأمريكية على القروض قصيرة الأجل بـ 75 نقطة أساس. الشيء المميز في هذا الأمر أنه يحدث للمرة الأولى خلال الـ 20 سنة الأخيرة، إذ جرت العادة على إجراء تخفيض أو زيادة بمعدل 25 نقطة أساس في كل اجتماع. لكن هذا التخفيض يعكس أموراً عدة. أولها خشية مقرري السياسة النقدية وعلى رأسهم بيرنانكي من أن يتحول يوم الثلاثاء الماضي إلى يوم كارثي آخر يضاف إلى تاريخ الأزمات المالية العالمية. الأمر الآخر الذي يعكسه هذا الحدث هو قناعة مطلقة من أعضاء اللجنة بأن الاقتصاد الأمريكي يعيش مرحلة تراجع حادة قد تعكس ظلالها بشكل حاد على الفترة المقبلة. الأمر الآخر الذي كان الجدل يدور حوله هو مدى امتداد آثار أزمة الرهن العقاري إلى القطاعات الأخرى في الاقتصاد الأمريكي، وهو ما تثبته هذه الأزمة، إذ لم يكن التراجع الذي تشهده كل الأسواق المالية العالمية إلا دليل إجماع على امتداد آثار هذه الأزمة إلى كافة القطاعات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
يبقى هنا سؤال مهم هو هل التخفيض بواقع ثلاثة أرباع النقطة المئوية تخفيض مبرر وماذا سيجني وماذا سيتكبد الاقتصاد جراء ذلك؟ أولاً يجب ملاحظة أن الاجتماع المقرر للجنة سياسات السوق المفتوحة سيتم في نهاية شهر كانون الثاني (يناير)، بينما هذا الاجتماع هو اجتماع غير عادي، أي أنه اجتماع أزمة. والأسواق المالية قد بنت توقعاتها على أساس تخفيض في شهر كانون الثاني (يناير) بما يراوح بين 25 و50 نقطة أساس. لذلك يبدو أن مقرري السياسة النقدية كانوا على قناعة أن إجراء أي تخفيض بهذا المقدار سوف لن يكون له تأثير كبير على تحفيز الأسواق من ناحية وعلى تحفيز الشركات والمؤسسات المالية إلى اقتراض مزيد من الأموال لضخها في الاقتصاد. مما يعني أن مقرري السياسة النقدية أرادوا أن يكون للتخفيض الاستثنائي نتائج سريعة الأمد وللخروج من أتون أزمة قد تمتد آثارها إلى كافة قطاعات الاقتصاد وكافة أنحاء العالم. وللإجابة عما إذا كان هذا مبرراً فأقول نعم فإنه وبالنظر للظروف الحالية فإن هذا التخفيض هو مبرر، وأن المستوى الحالي لسعر الفائدة على القروض قصيرة الأجل يفترض أن يكون هو المستوى نفسه الذي بلغته قبل ثلاثة أشهر فيما لو تم إجراء تخفيض مرحلي ومدروس مع بداية أزمة الرهن العقاري وبواقع 25 نقطة أساس كل ستة أسابيع. لكن هذا الأمر يطرح تساؤلات كثيرة حول الطريقة التي أدارت بها الإدارة الحالية للاحتياطي الفيدرالي وأعضاء لجنة سياسات السوق المفتوحة السياسة النقدية التي تميزت في كثير من الأحيان بافتقاد الرؤية الواضحة والموحدة، مما سيجعلها تقع تحت المحك أمام الكونجرس خلال المرحلة المقبلة.
السؤال الآخر، هو ما إذا كان لعملية التخفيض تلك نتائج إيجابية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء؟ فيما يتعلق بآثارها في الأسواق المالية فيبدو أن الأسواق استعادت بعضاً من عافيتها بعد ذلك خصوصاً يوم الأربعاء الماضي الذي تميز بشدة التذبذب بين افتتاح بانخفاض حاد وإغلاق بارتفاع تجاوز 200 نقطة لـ "داو جونز"، مما يعكس بشكل كبير التضارب في الانعكاسات النفسية لهذا التخفيض على المستثمرين. لكن هذا التحسن لم يدم طويلاً، إذ أغلق يوم الجمعة على انخفاض بمقدار 171 نقطة نتيجة لعودة القلق بشأن خسائر إضافية للبنوك والمؤسسات المالية العاملة في قطاعات الائتمان. هل يعني ذلك أن نقرر أن السياسة النقدية لم تكن ذات جدوى؟ طبعاً لا يمكننا قول ذلك، لأن عملية تقييم السياسة النقدية لا تتم بالنظر فقط إلى آثارها على أداء الأسواق المالية ولكن بالآثار الكلية لهذه السياسة على قطاعات الاقتصاد ككل والتي تشمل قطاعات الاقتصاد الخدمية والصناعية وانعكاسها على القدرة الاستهلاكية للأفراد وعلى مؤشرات الثقة لكل من الأفراد والمستثمرين، وأهم من ذلك كله آثار هذه السياسة في أسواق العمل. وعملية التقييم تلك تحتاج إلى فترة من الزمن لاستقراء نتائجها لأن استجابة كل هذه القوى الاقتصادية تتطلب مزيداً من الوقت ومزيداً من البيانات لتقييمها.