ثاني أكسيد الكربون.. الرعب القادم

خبر صغير نشر الشهر الماضي في الصحف المحلية والعالمية مفاده أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن كتلة هائلة من الجليد في القطب الجنوبي تقدر بنحو 20 ألف كيلو متر مربع ـ تعادل مساحة دولة قطر ـ بدأت في الذوبان وظهرت فيها شروخ تهدد انفصالها، وهذه المساحة تُعد الأكبر التي تم رصدها حيث تنفصل عن القارة الأم منذ بداية تسجيل هذه الظاهرة الكونية الخطيرة. ويأتي هذا الخبر تأكيدا لمجموعة من التقارير السابقة الصادرة عن جهات دولية مسؤولة عن البيئة، منها برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP التي أقرت أن جبال الجليد والمحيطات المتجمدة تتقلص وأن البرنامج رصد 30 منطقة جليدية تتعرض للذوبان منها قمم جبال الهيمالايا الشاهقة في الهند، وجبال روكي في أمريكا الشمالية. وما ورد أيضا في تقرير وكالة البيئة الأوروبية EEA عن اختفاء أجزاء جليدية في جبال الألب، وتقرير آخر صادر من البنك الدولي WB عن ذوبان الجليد في جرينلاند وتقرير المركز القومي لبيانات الجليد والثلوج الأمريكي ـ والذي أكده أيضا علماء البيئة في جامعة فرجينيا ـ عن تراجع المساحة المسجلة من بيانات الأقمار الصناعية لجليد المحيط المتجمد الشمالي بدرجة ملحوظة.
واتفقت تلك التقارير العلمية على أن تسارع ذوبان الجليد في تلك المواقع يرتبط بظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وأن ذلك ناتج من الزيادة المتنامية لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة وأن استمرار انفصال الجليد وذوبانه بهذه المعدلات (قد) يؤدي إلى ارتفاع في منسوب سطح البحر لأكثر من متر في نهاية القرن الحالي (وربما) يؤدي إلى اختفاء مواقع كثيرة يقطنها البشر على اليابسة في الأماكن المنخفضة القريبة من المسطحات المائية، إضافة إلى زيادة الآثار السلبية للأعاصير وغيرها من الكوارث الطبيعية وتغير في الحياة الفطرية البرية والبحرية.
ولنا في هذا الأمر أكثر من وقفة حتى يمكن معرفة حقيقة قصة انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالأرقام، والتعرف على المصادر التي أدت إلى زيادة انبعاث هذا الغاز في عصرنا الحاضر، وما الدول أو مجموعة الدول التي كان وما زال لها الدور الفاعل في هذه الزيادة التي أثارت الرعب في قلوب العلماء والعامة من جراء هذه التقارير غير المتفائلة.
ودون مقدمات، نشير إلى أن الأنشطة الإنسانية هي السبب الرئيس لزيادة انبعاث ثاني أكسيد الكربون نتيجة زيادة استهلاك وحرق الوقود الحفري Fossil Fuels بصوره الثلاث الرئيسية المعروفة البترول والغاز الطبيعي والفحم خلال العقود الثلاثة الماضية، فطبقا لتقرير هيئة معلومات الطاقة الدولية IEIA فإن إجمالي انبعاث ثاني أكسيد الكربون المقاس في العالم عام 1980م بلغ 18.3 مليار طن متري وأن معدل نصيب الفرد في حدود 4.1 مليون طن متري خلال هذا العام، فيما بلغ إجمالي انبعاث ثاني أكسيد الكربون عام 2005م على المستوى العالمي 28.2 مليار طن متري ومعدل نصيب الفرد في حدود 4.3 مليون طن متري، وهذا يعني أن الزيادة 54 في المائة خلال ربع قرن أو في حدود 2 في المائة سنويا، وبالتالي أثر سلبا على نصيب الفرد من هذه الزيادة.
أما فيما يتعلق بالتوزيع النسبي حسب المصدر فإن الأرقام الحالية تشير إلى أن نسبة انبعاث الغاز تأتي أولا من الفحم 40 في المائة يليها انبعاث الغاز من البترول 39 في المائة والباقي من انبعاث الغاز من الغاز الطبيعي 21 في المائة، وأنه حدثت زيادة ملحوظة من انبعاث الغاز من استهلاك الغاز الطبيعي خلال الفترة السابقة مقارنة بما يتم انبعاثه من البترول.
من ناحية أخرى، فإن مجموعة الدول الآسيوية تقع على قمة المجموعات الدولية لانبعاث الغاز، حيث تبلغ حصتها بمفردها 10.4 مليار طن متري أكثر من 80 في المائة منها من ثلاث دول، هي الصين، اليابان، والهند، وتلي هذه المجموعة مجموعة دول شمال أمريكا وبحصة سبعة مليارات طن متري من الغاز وتتوزع باقي حصص الغاز المنبعث على مجموعات الدول الأخرى بداية من المجموعة الأوروبية ثم مجموعة دول أورسيا وجنوب أمريكا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأخيرا مجموعات الدول الإفريقية.
وعلى مستوى الدول تقف الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا على قمة الدول التي تزداد فيها معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الوقت الراهن، حيث تستأثر الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها بما يعادل 21 في المائة من انبعاث الغاز من المصادر الثلاثة (البترول، الفحم، والغاز الطبيعي)، فيما تستأثر الصين بنحو 19 في المائة نتيجة ملوثات الفحم بصورة أساسية إضافة إلى البترول والغاز الطبيعي بدرجة أقل. أما روسيا فتقف في الترتيب الثالث وبنسبة في حدود 6 في المائة، وتحديدا من ملوثات الغاز الطبيعي.. وفي المقابل، فإن الدول الأقل تلوثا لهذا الغاز تقع إما في المناطق الصحراوية في أواسط إفريقيا أو آسيا مثل تشاد وليسوتو والصحراء المغربية ولاوس أو في الجزر المنتشرة في المحيط الأطلنطي أو الهادي مثل جزر المالديف والسامو وفوكلاند والتي تقل فيها معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون دائما 0.1 مليون طن متري سنويا.
وبعد هذه الوقفة فمن الضروري الإشارة إلى مجموعة من المحددات:
ـ إن أكبر دولتين تساهمان في ارتفاع مستوى الغازات الدفيئة وفيها بالقطع ثاني أكسيد الكربون، وهما الولايات المتحدة الأمريكية والصين اللتان ترفضان التقيد بأي معاهدة للحد من انتشار هذه الغازات والالتزام بتوصيات (كيوتو) للحد من التغيرات المناخية.
ـ إن حصة مجموعة الدول العربية ـ ومنها أعضاء الأوبك ـ من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون لا تشكل سوى 3 في المائة من الإجمالي العالمي علما أن أساس هذه الانبعاثات من مصدر واحد هو البترول.
إن هذه الظاهرة عالمية وستؤثر سلبا في الدول الفقيرة التي تعاني أساسا الأمراض وسوء التغذية ونقص الموارد الاقتصادية والتي تقع في الجنوب سواء في قارات آسيا أو إفريقيا أو أمريكا.
ـ إن التعاطي مع هذه المشكلة لا يحظى بالاهتمام الكافي من الحكومات وأن ما يتم حاليا محاولات من المنظمات الدولية المسؤولة عن البيئة والعلماء وأصدقاء البيئة لحث الدول على الاتفاق على مسودة لاتفاقية دولية جديدة بديلا عن بروتوكول كيوتو تكون أكثر صرامة للحد من تلك الانبعاثات الضارة والتي تتوقع إصدارها خلال اجتماع كوبنهاجن العام المقبل حتى يمكن تجنب ويلات هذا الرعب القادم.

وإن غدا لناظره قريب

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي