(تعليب) خطبة الجمعة !
علينا أن نترحم وبكثير من الحزن والبكائيات على ما يتم تداوله عبر خطب الجمعة، ولاسيما أن مهنة الخطيب باتت وظيفة لا علاقة لها بالإبداع أو حتى محاكاة الواقع الحالي للمجتمع وتوعية الناس فيما يدور حولهم.
الخطيب القادر على المواكبة وبما يفيد الدنيا والآخرة أصبح نادراً .. بعد أن اقتنع كثير من أولئك الخطباء أن المضمون لا بد ألا يتجاوز عذاب القبر ولهيب الآخرة.
الخطيب في سابق الزمان كان فخوراً بمهمته انطلاقا من قدرته على منح المعلومة ، بل كان سلاحاً توعوياً ضد كل ما هو ضار ، مقرباً لكل ما هو نافع، منطلقاً من إدراكه لكل ما يدور في محيطه الخارجي، متداخلاً ومتعايشاً مع مجتمعه ، متمسكاً بالمعلومة الصحيحة والمصادر الخلاقة.
نطلب الرحمة للخطب الحالية، لأن المشاهد التي نراها وعبر كثير من جوامعنا كأنها تعيش في أرض أخرى وتعايش مجتمعاً آخر .. وعليه كان من الصعوبة أن نطلق عليهم اسم "خطيب الجمعة"، لأن هذا اللقب كبير في معناه، عميق في مفهومه، ليس كل من صعد المنبر استحقه.
الخطيب الآن أصبح معنيا بالتعبير عن همومه، متناسياً أن يكون عنواناً للعامة والبسطاء يناقشهم في أمور دنياهم، يبحث لهم عما يعينهم على الآفات المستشرية كالمخدرات ، ويساعدهم على مواجهة الأزمات كالغلاء ، يبصرهم عما يدور حولهم،، فليس من المعقول أن يكون عنوان كل خطبة التحذير من نار الآخرة، ولاسيما أن جل من هم في حضرة الخطيب يدركون ما يقرب إلى الجنة وما يبعد عن النار وفي العموم هي تفاصيل يدركها الجميع وفي تكرارها إعادةً لما لا يحتاجون إلى إعادته ، فالكل يدرك عقاب تارك الصلاة وما لهذه الصلاة من قيمة وفضل، أم ما نحتاج إليه هو خطاب يساعدنا على فهم أمور نعايشها.. وبما يتواءم مع زمننا الحالي؟!
هناك أيضا "لزمة" لدى كثير من خطبائنا هداهم الله وهي العمل على التقليل من قيمة وعطاءات الحضارات الأخرى وما ينطوي ذلك على احتقار لعلوم الغرب الحديثة ، وكأنهم يريدون منعها أو وضع الحواجز عن تلك العلوم ، ونحن معهم فقط في أن التميز الذي لنا عليهم حالياً هو فقط في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وفي ديننا الحنيف ، أما غير ذلك فحسبنا الله ، فكأنهم لا يدركون أنهم يضرون الإسلام ولا ينفعونه ..
وبعد نحتاج وبقوة إلى إعادة تأهيل الخطباء وفق منهج علمي لكي تكون وظيفته عملاً خلاقاً مشرقاً مفيداً .. تكون مهمته معنية بالمشاعر الإنسانية وبالحب والسلام، تنطلق منها نحو آفاق اجتماعية ودينية مفيدة جداً وفيها من التنوير الشيء الكثير.