قانون استقلال الطاقة الأمريكي لعام 2007: "راحت السكرة وجاءت الفكرة"(2 من 2)

[email protected]

تم في المقال الماضي تقديم استعراض سريع وموجز جداً لقانون استقلال الطاقة الذي وقعه الرئيس بوش في نهاية العام الماضي. وذكر في المقال أن سبب الحديث حول الموضوع الآن بعد مضي خمسة أشهر على القانون هو الأخبار الجديدة حول صناعة الوقود الحيوي وصناعة السيارات التي تجعل تطبيق هذا القانون أمرا في غاية الصعوبة.
* الوقود الحيوي
لاشك أن فكرة "الوقود الحيوي" هي فكرة نبيلة تهدف إلى توفير الطاقة المتجددة للبشرية. إلا أن النظرية شيء والتطبيق شيء آخر. ففي الوقت الذي تعد فيه الفقرة المتعلقة بالوقود الحيوي في القانون الجديد هي أهم فقرة في القانون، إلا أن تطبيقها لن يحقق الأهداف المرجوة منها لأسباب عديدة منها:
1- الرقم المذكور، 36 مليار جالون, يمثل نحو 7 في المائة من استهلاك النفط الأمريكي في ذلك الوقت. وإذا عرفنا أن استهلاك النفط سيزيد بمقدار 17 في المائة خلال تلك الفترة نجد أنه من غير الممكن أن يتحقق أمن الطاقة لأن واردات الولايات المتحدة لن تنخفض كرقم على الأقل. ويذكر أن وزارة الطاقة الأمريكية قد قامت بتغيير توقعاتها أخيراً لتتناسب مع قانون الطاقة الجديد الذي أقره البيت الأبيض فخفضت توقعاتها لاستهلاك النفط عما توقعته في العام الماضي، إلا أنه حتى التوقع الجديد لن يؤدي إلى تخفيض واردات الولايات المتحدة عما هي عليه حالياً.
2- حسب البيت الأبيض فإن أغلب الزيادة في الوقود الحيوي ستأتي من الأعشاب والمخلفات النباتية وليس الذرة. فمن 36 مليار جالون يجب أن يكون منها 21 مليارا من الوقود الحيوي "المتقدم" والتي تشمل 16 مليار جالون من الإيثانول المنتج من الحشائش والمخلفات، وليس الذرة. مشكلة البيت البيض أن هذه التكنولوجيا غير موجودة حتى الآن!
3- كما يعرف الجميع الآن فإن "أمن الطاقة" جاء على حساب "أمن الغذاء"، لذلك يتوقع كثير من الخبراء أن الكونغرس أو الحكومة الأمريكية الجديدة التي سيتم تكوينها بعد الانتخابات الرئاسية ستقوم بإلغاء الدعم للإيثانول أو التخفيف من إنتاجه بطريقة أو بأخرى.
4- تبين الآن، حتى لعدد من أنصار صناعة الإيثانول، أن لإنتاجه انعكاسات بيئية أكبر من استهلاك النفط، وهذا بحد ذاته سيؤدي إلى انقلاب الحكومة الأمريكية على الإيثانول.

* كفاءة محركات السيارات
القانون يطالب شركات السيارات بتحسين كفاءة استخدام الوقود في السيارات الجديدة بمقدار 40 في المائة، وهو أمر لايمكن أن يتحقق للأسباب التالية:
1- هناك مشكلات تقنية واقتصادية في وجه الوصول إلى هذا الهدف.
2- أعلنت شركات السيارات الأمريكية في الأسبوع الماضي خسائر ضخمة. فقد أعلنت شركة جي إم في شهر فبراير الماضي أكبر خسارة في تاريخ صناعة السيارات حيث خسرت 38.7 مليار دولار في عام 2007. واستمرت الخسائر في الربع الأول من هذا العام حيث أعلنت الشركة في الأسبوع الماضي خسائر قدرها 3.3 مليار دولار. والأمر نفسه ينطبق على شركة فورد التي حققت أعلى خسائر في تاريخها في العام الماضي. وكانت مبيعات شركة فورد قد انخفضت بمقدار 12 في المائة في شهر نيسان (أبريل) الماضي، بينما انخفضت مبيعات شركة كرايزلر بمقدار 23 في المائة في نفس الشهر. في ظل هذه الخسائر، والتي سيتبعها بالتأكيد زيادة في معدلات البطالة، يصعب جداً تطبيق القانون وإجبار الشركات على البحث عن تكنولوجيا جديدة تكبدها المزيد من التكاليف، أو فرض غرامات عليها، خاصة أن ما يعرف بـ "تقرير تشيني" الذي صدر في عام 2001 ويعتبر الإطار الفكري لكل قوانين الطاقة في عهد رئاسة بوش، ذكر أنه على الولايات المتحدة تبني كافة القوانين التي من شانها أن تحسن من البيئة وأمن الطاقة "طالما أنها لا تؤثر سلبياً على صناعة السيارات الأمريكية"!
3- طريقة حساب الكفاءة لن تؤدي إلى تحسن كبير بالنسبة إلى الدولة ككل لأن القانون لايحسب الكفاءة بناء على كل فئة من السيارات، ولكن بناء على إجمالي ما يتم إنتاجه من السيارات. هذا يعني أنه سيتم إنتاج سيارات عائلية كبيرة ذات استهلاك عال للبنزين لأن الشركة نفسها ستنتج سيارة صغيرة جدا تعوض عن استهلاك السيارة الكبيرة. ولكن الإنتاج ونسبة إنتاج السيارات الصغيرة شيء، وما نراه في الطرقات شيء آخر لأن المستهلك النهائي هو الذي يحدد السيارة التي يقودها.

* أمور أخرى
القوانين الأمريكية لعبة كبيرة يشترك فيها الآلاف من اللاعبين، وبسهولة يمكن أن يتحول قانون بسيط في المياه مثلاً إلى مجلدات ضخمة تحوي قوانين تتعلق بسفلتة طريق في مكان ما، أو بناء جسر على نهر، أو شراء معدات طبية للجيش. ونظرا لضخامة بعض القوانين وعدم تمكن أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ من قراءتها بالتفصيل فإنه يتم أحياناً تمرير قوانين غريبة، قد تنقض القانون الأصلي كله أو تمنعه من التطبيق. الأمر ذاته ينطبق على قانون الطاقة لعام 2007. فالهدف الأساس للقانون هو "استقلال الطاقة" وتحسين "أمن الطاقة الأمريكي". هذا الهدف يعني أنه في الوقت الذي يجب أن تبدأ فيه الولايات المتحدة الإقلاع عن إدمانها النفط تدريجيا، أن تقوم بتحويل وارداتها النفطية إلى دول آمنة، وهذا يعني زيادة وارداتها من جارتها الشمالية، كندا. والخيار الكندي أمر منطقي لأسباب سياسية واقتصادية، إلا أن فقرة في قانون الطاقة تمنع الحكومة الأمريكية من شراء النفط الكندي المنتج من الرمال النفطية لأن إنتاجه بهذه الطريقة ملوث للبيئة. فإذا علمنا أن إنتاج النفط التقليدي الكندي في انخفاض مستمر وأن إنتاج النفط من الرمال النفطية في زيادة مستمرة، من أي ستسورد الحكومة الأمريكية النفط؟ أليس الهدف هو "زيادة أمن الطاقة"؟
وهناك فقرة تم إضافتها في القانون تشير إلى أن متطلبات الطاقة المتجددة تمتد أيضاً إلى وقود التدفئة، الأمر الذي يخفف من أثر القانون في قطاع المواصلات.
ويتمحور القانون حول كمية الإعانات الضخمة التي تقدمها الحكومة للطاقة المتجددة سواء على شكل إعانات مباشرة أو إعفاءات ضريبية، الأمر الذي يشكل عبئا متزايدا على الموازنة مع زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، وهي موازنة تعاني عجزا ضخما لا يمكن أن يستمر دون التأثير سلبياً في نمو الاقتصاد الأمريكي.
خلاصة الأمر، إذا لم تكن السياسات متسقة مع قوى السوق فإن مصيرها الفشل، ولن يصل هذا القانون إلى أهدافه الأساسية في التخفيف من واردات النفط أو تخفيض انبعاث غازات الانحباس الحراري بشكل ملحوظ. إلا أننا نأمل أن ينتج عن تمويل البحوث اختراعات جديدة تمكن البشرية ككل من الحصول على إمدادات أكبر للطاقة بأسعار معقولة بدون التأثير سلبياً في البيئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي