جهود سعودية حثيثة لكبح جماح التضخم.. ولكن؟!

[email protected]

سجل معدل التضخم في السعودية أعلى مستوى له في 27 عاما بعد أن وصل إلى نحو 9.6 في المائة بنهاية آذار (مارس) 2008، متجاوزا بذلك المستوى الذي تم تسجيله في شباط (فبراير) من العام نفسه، الذي بلغ نحو 8.7 في المائة، هذا ويتوقع عدد من الاقتصاديين أن يتجاوز معدل التضخم في السعودية جميع تلك النسب وذلك بنهاية العام الجاري ليصل إلى نحو 12 في المائة.
أرجع عدد من الاقتصاديين أسباب التضخم في السعودية إلى العديد من العوامل العالمية والمحلية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر على المستوى العالمي، (1) تحسن مستوى الاقتصاد والمعيشة في عدد من دول العالم، وبالذات في آسيا مما أسهم بشكل كبير في تغيير النمط الاستهلاكي وبالذات الغذائي لسكان تلك الدول، وتزايد الطلب فيها على السلع والخدمات وبالتالي الرفع من أسعارها. (2) الإقبال المتزايد نحو الاستخدام العالمي للوقود الحيوي الذي يعتمد بشكل كبير في تصنيعه على مواد غذائية أساسية مثال الذرة وحبوب الصويا والسكر.
من بين الأسباب المحلية التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وبالذات بالنسبة للمواد الغذائية. (1) جمود السياسة النقدية السعودية وعدم تفاعلها مع المتغيرات والمستجدات العالمية المحيطة، وبالذات فيما يتعلق بتثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي لفترة طويلة من الزمن، الأمر الذي أدى إلى أن يفقد الريال السعودي جزءا كبيرا من قيمته أمام العملات الرئيسة، وتسبب ذلك في ارتفاع فاتورة الاستيراد للسلع والخدمات التي تستوردها المملكة من الخارج وبالذات من دول اليورو. (2) ضخامة حجم الإنفاق الحكومي، الذي قد نما في المتوسط بنسبة 14 في المائة سنوياً على مدى السنوات الأربع الماضية حتى نهاية 2007، مما أحدث اختلالات في الطاقة وفي القدرة الاستيعابية للاقتصاد، وأسهم بشكل ملحوظ في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وبالذات أسعار السلع والخدمات المرتبطة بقطاع التشييد والبناء. (3) غياب آليات توعية وحماية المستهلك بالنمط الاستهلاكي الأكثر رشداً من الناحية الاقتصادية، مما أدى إلى توجه أفراد المجتمع السعودي نحو الاستهلاك المفرط والمبالغ فيه وغير المبرر في معظم الأحيان، الذي تسبب في حدوث فجوة بين العرض والطلب على السلع والخدمات في الأسواق، وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار. (4) احتكار عدد من التجار عددا من الوكالات ونقاط التوزيع لمجموعة من السلع الأساسية، وبالذات في مجال المواد الغذائية، مما أسهم بشكل كبير في رفع الأسعار.
الحكومة السعودية تنبهت لمشكلة ارتفاع أسعار المواد والخدمات في السوق السعودية، واتخذت بشأنها العديد من الإجراءات، التي استهدفت التخفيف من حدة تأثير ارتفاع أسعار تلك المواد في المستهلك السعودي، التي لعل من بين أبرزها وأهمها: (1) إضافة بدل بمسمى "بدل غلاء المعيشة" إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة سنوياً بنسبة 5 في المائة تراكمية ولمدة ثلاثة سنوات. (2) تخفيض رسوم عدد من الخدمات التي تقدم للمواطنين، مثال رسوم الموانئ، ورسوم إصدار جوازات السفر ورخص السير ونقل الملكية وتجديد رخصة الإقامة للعمالة المنزلية لمدة ثلاث سنوات. (3) زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي بنسبة 10 في المائة.
في جلسة مجلس الوزراء الموقر الأخيرة التي عقدت بتاريخ 28 نيسان (أبريل) من العام الجاري، ناقش المجلس عددا من الخيارات والخطوات المتاحة بخصوص التعامل مع المؤثرات العالمية المؤدية إلى زيادة أسعار المواد الغذائية، وكذلك الخيارات المتاحة بخصوص توفير هذه المواد الأساسية وتنويع مصادرها، وأساليب توزيعها في السوق المحلية بالكفاءة والحرص والتوازن المطلوب والمتابعة الدقيقة لمراحل التوزيع، وذلك على المديين القصير والطويل في إطار استراتيجية وطنية متكاملة لتلبية احتياجات المواطنين وحماية السوق من تقلبات الأسعار.
دون أدنى شك أن الجهود التي بذلتها الحكومة السعودية في الماضي ولا تزال تبذلها في الوقت الحاضر لجديرة بالاحترام والتقدير، ولكن في رأيي لأن تعمل تلك الجهود بالفعالية المطلوبة، فإن الأمر يتطلب التعامل مع المؤثرات الأخرى في مستوى الأسعار وذلك على المستويين المحلي والدولي، وبالذات على المستوى المحلي، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، (1) التعامل مع أزمة الإسكان التي يعانيها المواطن السعودي، ولا سيما أنه في الوقت الراهن يستنزف المسكن أكثر من 30 في المائة من دخل الأفراد السعوديين، ويتوقع لهذه النسبة أن ترتفع بنهاية عام 2009، لتصل إلى نحو 50 في المائة. (2) تفعيل أو بالأحرى إعادة النظر في نظام مكافحة ومنع الاحتكار، ونظام الوكالات التجارية، بالشكل الذي يكفل تحقيق فرص تجارية متكافئة بين التجار من جهة ويحقق في الوقت نفسه العادلة في التوزيع وتوفير المواد الاستهلاكية في الأسواق بالشكل المطلوب من جهة أخرى. (3) الرفع من مستوى الوعي الاستهلاكي للمستهلك السعودي، بالشكل الذي يحقق الترشيد المطلوب في الاستخدام، الأمر الذي يحتم ضرورة تسريع تفعيل دور مؤسسات وأنظمة حماية المستهلك في أسرع وقت ممكن. (4) إعادة النظر في السياسية النقدية للسعودية، وبالذات فيما يتعلق بتثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي، وكذلك حجم السيولة المتوافرة بالنظام النقدي، إضافة إلى ضرورة مراجعة حجم الإنفاق الحكومي وجدولة ما يعرف بـ Mica Projects، بالشكل الذي يكفل عدم خلق ضغوط تضخمية جديدة أو إضافية على الاقتصاد المحلي، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي