قانون استقلال الطاقة الأمريكي لعام 2007: "راحت السكرة وجاءت الفكرة" (1 من 2)
وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش على قانون استقلال الطاقة الأمريكي وأمنها لعام 2007 في نهاية عام 2007 بهدف تخفيض اعتماد الولايات المتحدة على واردات النفط. وسبب كتابة المقال الآن، رغم مرور خمسة أشهر على صدور القانون، هو خبران صدرا يوم الخميس الماضي. الخبر الأول يلخص الخسائر الضخمة التي منيت بها شركات السيارات الأمريكية، والذي يجعل تطبيق بعض فقرات تطبيق القانون مستحيلاً، والثاني هو التصريح الصحافي لوزارة المواصلات الأمريكية التي أوكلت إليها مهمة وضع اللوائح الجديدة حسب القانون لشركات السيارات الأمريكية والتي تبين أن شركات السيارات، والتي من المفروض أن تكون معارضة له، هي التي أسهمت في صياغته!
قبل البدء في الحديث عن هذا القانون وتبعاته وتناقضاته، لابد من ذكر حقائق مهمة وهي:
1. إن فكرة "استقلال الطاقة" هي ضرب من الخيال، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تكون القوة العسكرية العظمى في العالم ومستقلة من ناحية الطاقة في الوقت نفسه.
2. لا يمكن لأي بديل حالياً أن ينافس النفط حتى عند سعر 120 دولارا للبرميل بدون إعانات حكومية. بعبارة أخرى، لقد اختارت قوى السوق النفط ليكون مصدر الطاقة الأساس، والخيارات الأخرى لا يمكنها أن تعيش بدون دعم حكومي.
3. أن فكرة "استقلال الطاقة" تتنافى مع مبادئ نظام السوق الحرة التي تحاول حكومة الرئيس بوش بيعها للدول الأخرى، خاصة روسيا والصين.
4. أن لـ "استقلال الطاقة" تكاليف وأعباء ضخمة لا يمكن أن يتحملها الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل.
5. أنه لا يمكن إجبار القطاع الخاص على إنتاج أو تبني تكنولوجيا جديدة تسبب خسائر في هذا القطاع، خاصة أن القانون يركز على كلمة "إجبار" في كافة أوامره كما سنرى بعد قليل.
6. أخيراً، هناك تناقض بين توقعات إدارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الأمريكية ووكالة الطاقة الدولية وحديث البيت الأبيض عن بدائل للنفط. فالزيادة الضخمة المتوقعة في استهلاك الطاقة تبين أننا بحاجة إلى كل مصادر الطاقة، ومن الصعب في ظل هذا النمو أن يحل مصدر محل مصدر، خاصة من وجهة نظر عالمية.
قانون استقلال الطاقة
حسب هذا القانون فإن الولايات المتحدة ستتمكن من الوصول إلى هذا الهدف عن طريق إجبار منتجي الطاقة على زيادة استخدام الوقود الحيوي بمقدار خمسة أضعاف المستوى الحالي لتصل إلى 36 مليار جالون من الوقود الحيوي بحلول عام 2022، وعن طريق إجبار صانعي السيارات على تحسين كفاءة استخدام الوقود في محركات السيارات بمقدار 40 في المائة بحيث يصل متوسط كفاءة استهلاك الوقود إلى 35 ميلاً للجالون بحلول عام 2020. بما أن سوق النفط في الولايات المتحدة يعتمد بشكل كبير على قطاع المواصلات، فإن لهذه القوانين، في الظاهر، انعكاسات سلبية على صادرات النفط العربي للولايات المتحدة، لكن الحقيقة عكس ذلك كما سنرى لاحقاً في هذا المقال.
وعلى الرغم من أن إجبار شركات السيارات على زيادة معدلات الكفاءة في استخدام الوقود يتعارض مع مصالحها ويرفع تكاليفها، إلا أنه من المدهش أن القانون الجديد تم بدعم من شركات السيارات ولاقى ترحيبا من لوبي شركات السيارات في واشنطن. ما سر هذا الدعم والترحيب؟ تخوفت شركات السيارات من أن عدم وجود قانون فدرالي واحد لكل الدولة سيؤدي إلى قيام كل ولاية بوضع قوانين خاصة بها، الأمر الذي سينتج عنه أمران مكلفان جداً. الأول قيام ولايات متطرفة بيئيا مثل كاليفورنيا وماساتشوستس وغيرها بتبني قوانين صارمة جدا مثل قانون السيارات التي لا تصدر أي تلوث على الإطلاق، الأمر الذي لن يزيد التكاليف فقط، بل قد يخفض مبيعات بعض الشركات بشكل كبير في هذه الولايات. والثاني هو أن اختلاف القوانين سيزيد التكاليف ويزيد تعقيد سوق السيارات في الولايات المتحدة، حيث لا يمكن بيع سيارة أنتجت لولاية أوهايو مثلاً في ولاية تكساس أو العكس. وتمكن لوبي صناعة السيارات من إضافة فقرات تمكن هذه الصناعة من الحصول على إعانات ومنح حكومية. الأغرب أن القانون الجديد يغير قانون الطاقة لعام 2005 ويقدم إعانات ومنحا مباشرة لشركات السيارات والشركات المنتجة لقطع الغيار لتغطي 30 في المائة من تكاليف البحوث والقطع الجديدة التي تتماشى مع قانون الطاقة لعام 2007!
فقرات لا تتعلق بالنفط
وتضمن القانون فقرات لا تتعلق بالنفط، وإنما تهدف إلى التخفيف من انبعاث غازات الاحتباس الحراري عن طريق تخفيض معدلات نمو استخدام مصادر الطاقة الأخرى. من هذه الفقرات إجبار كل مباني الحكومة الفدرالية على استخدام التجهيزات والأدوات المكتبية المصنفة تحت "برنامج النجمة" والذي يعطي شهادات للآلات والأدوات والمعدات والتجهيزات التي تستهلك كهرباء بأقل من حد معين حسب معادلات معينة. كما تضمّن القانون فقرات تشجع على زيادة الترشيد والاستهلاك في الطاقة بشكل عام، وعلى بناء أبنية صديقة للبيئة. هذه الفقرات تؤثر في الفحم وليس في النفط، خاصة أن 3 في المائة فقط من توليد الكهرباء يعتمد على النفط.
ويتضمن القانون فقرات عديدة تعطي إعانات ضخمة لمنتجي ومستهلكي الطاقة المتجددة إما على شكل إعانات مباشرة أو منح مالية أو قروض ميسرة أو إعفاءات ضريبية. كما يتضمن فقرات تدعم البحوث في مجالات الوقود الحيوي، وكافة أنواع الوقود السائل الصديق للبيئة.
ويدعي البيت الأبيض أن هذا القانون سيخفض من مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل لم تشهده الولايات المتحدة من قبل، وسيمكّن الولايات المتحدة من مقابلة ما التزمت به من تخفيض لانبعاثات غازات الانبعاث الحراري، وهو أمر أثبت الخبراء أنه قد يكون صحيحاً من الناحية النظرية فقط.
وسيتم في المقال القادم مناقشة أسباب فشل تطبيق هذا القانون على أرض الواقع، الأمر الذي يعني استمرار اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج.
نهاية الحلقة الأولى