خلوة ستيني وخمسينية
يقول الخبر الذي نشر يوم أمس في الصفحة الأولى لإحدى الصحف إنه ألقي القبض في المدينة المنورة على مواطن يبلغ من العمر 60 عاماً وبرفقته امرأة تبلغ من العمر 50 عاماً، في مخطط السلام وهما في "خلوة غير شرعية" وبحسب ما ورد في الخبر أن إحدى الدوريات العاملة في نطاق الحي اشتبهت في إحدى المركبات من نوع "وانيت" أثناء وقوفها على جانب الحي، وبعد أن اتجه أعضاء الدورية لاستقصاء الأمر تبين أن الرجل والمرأة في خلوة غير شرعية، ليتم في ضوء ذلك إحالتهما إلى مركز الشرطة حيث أخذت عليهما التعهدات اللازمة وتم إطلاقهما لاعتبارات إنسانية بالنظر إلى سني الرجل والمرأة، كما أشار الخبر إلى أن العلاقة نشأت بينهما لأول مرة حينما قام الستيني بإيصال المرأة عبر مركبته "الونيت" التي يستخدمها كسيارة أجرة لتعاود الاتصال به مرة أخرى طالبة منه الحضور لإيصالها إلى السوق ليتجه بعد ذلك إلى جانب الحي معها حيث تم ضبطهما.
إن نشر مثل هذه القضايا في وسائل الإعلام بل في الصفحات الأولى من الصحف لهو أمر مؤسف، فماذا استفاد المجتمع من مثل هذا الخبر سوى التندر به والضحك عليه وما الفائدة من اقتياد أمثال هؤلاء لمركز الشرطة وعدم إطلاقهم في المكان نفسه الذي ضبطا فيه لتلك الاعتبارات الإنسانية التي أطلقوهما من أجلها بعد أن ذهبوا بهما إلى مركز الشرطة وقاموا بأخذ التعهدات اللازمة عليهما.
إن النفس البشرية تخطئ أحياناً والشيطان يرافق الكبير والصغير ويغري الشباب والشابات وها هو في هذه الحادثة يغري أيضاً كبار السن ويزين لهم السوء، ولا شك أن هفوة الكبير ليست كالصغير، وعلى الرغم من أن الدوافع والمحفزات تكون عادةً أكبر للشباب إلا أن النفس البشرية تبقى بشرية سواءً كانت صغيرة أو كبيرة والخطأ والذنب يبقى خطأً ولكن في تقديري أن مفهوم الستر ضروري ويجب أن يكون هو المسيطر على مثل هذه الحوادث خصوصاً بالنسبة لوسائل الإعلام التي أصبح بعضها يعمل جاهداً ليلاحق مثل هذه القضايا ليكشف سلبياتها ويعرض أخطاءها ويجعلها مادة إعلامية يتم تداولها في المنتديات وهو لا يعلم أنه بهذا يفضح ويهتك ستر كثير من الأشخاص الذين مازالوا متهمين ولم يثبت عليهم الذنب.
إن وسائل الإعلام يجب أن تكون حذرة خلال استعراضها لمثل هذه القضايا حيث إن الأشخاص الموجودين في مثل هذه القضايا لهم سمعتهم وكرامتهم، إلا أن الإعلام يعرض القضية وكأنها صيد ثمين أو فريسة يجب أن ينقض عليها ليفرد لها بالخطوط العريضة الصفحات الأولى ويفتح الباب على مصراعيه للفضوليين.
يكفي المخطئ والمذنب ابتلاؤه بالذنب ويكفيه العقاب الذي سيناله إن ثبت عليه ويكفيه الحد الشرعي الذي سيطبق عليه، ولكن لماذا نقوم نحن أيضاً بفضحه أمام الملأ من خلال الإعلام لنقضي على ما تبقى من كرامته وسمعته، إننا بحاجة ماسة إلى أن نعيد النظر في القضايا التي يتم طرحها من خلال وسائل الإعلام خصوصاً تلك القضايا الحساسة التي تمس الشرف والسمعة والاسم، فكم من متهمين ألقي القبض عليهم وظهرت أسماؤهم وفضحوا في مختلف وسائل الإعلام وانتهت قضاياهم بأنهم بريئيون وخرجوا من القضية بعد أن أصبحت أسماؤهم ملتصقة بتهم باطلة وساءت سمعتهم من خلال مواقف ظالمة ساهم الإعلام في نشرها بين الناس.
إن ما أتمناه هو أن نتعامل مع المخطئين والمذنبين بالاحترام والتقدير لإنسانيتهم وأن نحرص على الحفاظ على سمعتهم وكرامتهم بما يمليه عليه ديننا ومبادئنا وإن خالف هؤلاء أو انزلقوا في طرق الشر فالشرع يحكم عليهم دون تشهير، كما يجب علينا ألا نتسرع بنشر مثل هذه الأخبار وأن نغلب حسن الظن وحتى لو وجدناهم يرتكبون مخالفات صريحة فيتم إيقافهم مع الحرص على الستر عليهم وإبعاد الإعلام ما أمكن عن مثل هذه القضايا، فبعض الإعلاميين يجد في مثل هذه القضايا ما يرفع من أسهمه في المجتمع وهو لا يعرف أنه بهذا الطرح يزرع الفرقة والشتات بين أفراد المجتمع في الوقت الذي يسعى الجميع إلى أن يكونوا صفاً واحداً ومجتمعا واحدا.