هل تستمر أسعار النفط المرتفعة؟
هل تستمر أسعار النفط المرتفعة؟ وهل تستمر الأسعار في كسر الأرقام القياسية؟ الجواب نعم، وربما لفترة أطول مما كان متوقعاً من قبل. ولن تنخفض الأسعار إلا في حالة حدوث كساد كبير في الاقتصاد الأمريكي بشكل يؤثر سلباً في الاقتصاد الصيني. هناك العديد من العوامل الاقتصادية والطبيعية والسياسية والفنية التي ستدعم أسعار النفط في مستويات 100 دولار للبرميل، وهناك سيناريوهات قد ترتفع فيها أسعار النفط إلى مستويات قياسية، خاصة في أثناء شهور الصيف. من ضمن هذه العوامل ما يلي:
1 ـ سياسات أمن الطاقة والعداء الكبير للنفط من الفئات السياسية كافة في الدول المستهلكة، التي تضمنت إنفاق مليارات الدولارات على شكل إعانات لمصادر الطاقة البديلة، أجبرت الدول المنتجة على انتهاج سياسات استثمارية تؤدي إلى تخفيض صادرات النفط في المستقبل. فالاستثمارات الضخمة في الصناعات كثيفة الطاقة في الدول المنتجة للنفط هو خيار استراتيجي بحيث يتم تصدير النفط على شكل منتجات مختلفة في حالة تحول الدول المستهلكة عن النفط لصالح مصادر الطاقة الأخرى. وبما أن الدول المستهلكة لن تجد بديلاً للنفط بالسرعة التي يتم فيها تحويل النفط إلى صناعات أخرى في الدول المنتجة فإن صادرات الدول النفطية ستنخفض، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع أسعار النفط.
2 ـ سياسات أمن الطاقة أدت أيضاً إلى ملء الاحتياطي الاستراتيجي الذي زاد الطلب على النفط بحدود 70 ألف برميل يومياً. هذه الزيادة، وإن كانت بسيطة نسبة إلى كميات النفط المنتجة يومياً، إلا أنها تصبح مهمة نسبة إلى ما ينتج أو يستهلك إقليمياً. وقد يصبح أثر ملء الاحتياطي كبيراً إذا كان هناك علاقة عكسية بين الاحتياطي الاستراتيجي والمخزون التجاري، حيث إن الأسعار أكثر تأثراً بتغيرات المخزون من العوامل الأخرى. وإذا كان جزء من انخفاض المخزون التجاري يعود إلى زيادة حجم المخزون الاستراتيجي، وإذا كان المضاربون يعتمدون في قراراتهم على مستوى المخزون التجاري، فإن أثر ملء الاحتياطي الاستراتيجي أكبر بكثير مما بينته الدراسات والتقارير.
3 ـ انخفاض الدولار الذي يؤدي على المدى الطويل إلى تخفيض الإنتاج وزيادة الطلب على النفط. فانخفاض الدولار يرفع التكاليف ويخفض من القوة الشرائية للدول المنتجة والشركات خارج الولايات المتحدة، كما أنه يزيد الطلب على النفط في أوروبا وآسيا لأنه يجعل النفط أرخص نسبيا في هذه المناطق. أما على المدى القصير فإنه يؤدي إلى زيادة المضاربات.
4 ـ العجز في الكهرباء في عدد من الدول المنتجة للنفط، والذي من شأنه تخفيض صادرات النفط في أثناء شهور الصيف. فالعجز في الكهرباء يؤدي إلى تحويل النفط من التصدير إلى الاستهلاك المحلي للاستخدام في محطات توليد الكهرباء، كما أنه يؤثر في إنتاجية الحقول التي يتم حقنها بالغاز إذا تم تحويل الغاز إلى محطات توليد الكهرباء.
5 ـ الزيادة الكبيرة في استهلاك الطاقة في الدول النفطية والتي من شأنها أيضاً أن تخفض صادرات النفط. المشكلة في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي بعض دول الخليج بشكل خاص، هو أن الزيادة فاقت التوقعات، الأمر الذي يعني أنه لم يتم التخطيط لها. هذه الزيادة تعود إلى النمو الاقتصادي الكبير في هذه الدول، والزيادة في العمالة الوافدة التي جلبها هذه النمو، والتي تقدر بالملايين خلال السنوات الأخيرة. وما ساعد على زيادة النمو هو الإعانات الحكومية للبنزين والديزل والغاز، والتي جعلت أسعارها من الأرخص في العالم. وإذا لم تقم هذه الدول برفع أسعار هذه المنتجات خلال الشهور المقبلة فإنه من المتوقع أن تبدأ صادرات النفط بالانخفاض، وستزداد واردات بعض الدول الخليجية من المشتقات النفطية، وستزداد كمية الإعانات الحكومية. هذا يعني أنه في الوقت الذي تنخفض فيه إيرادات صادرات النفط، سيزيد عبء الإعانات على الموازنة العامة لهذه الدول.
هذه العوامل كفيلة برفع أسعار النفط حتى من دون أي عوامل سياسية تتعلق بفنزويلا وإيران ونيجيريا، أو عوامل طبيعية تتعلق بالأعاصير في خليج المكسيك. وإذا كان نموذج "احتكار القلة" هو فعلاً النموذج الذي يشرح سوق النفط، فإن هناك سبباً آخر سيبقي الأسعار مرتفعة وهو الارتفاع الكبير في تكاليف إضافة طاقة إنتاجية إما للتعويض عما يمكن إنتاجه وإما لزيادة الطاقة الإنتاجية. هذا الارتفاع يرفع الأسعار تلقائياً لأن السعر وفقاً لهذا النموذج يتحدد في النقطة التي تتساوى فيها التكلفة الحدية مع الإيراد الحدي للمنتج الذي يتمتع بقوة سوقية. فكلما ارتفعت التكلفة ارتفع السعر.
خلاصة الأمر أن أسعار النفط المرتفعة ستستمر، وقد تصل أسعار النفط إلى مستويات قياسية في الصيف المقبل، ولن تنخفض الأسعار إلا في حالة حدوث كساد كبير في الولايات المتحدة يؤثر في النمو الاقتصادي في الصين.