"بزنس" جديد اسمه إعلام الموبايل!
خلال الأعوام القليلة الماضية استثمرت شركات الاتصالات العربية ما يزيد على 200 مليون دولار في بناء شبكات الجيل الثالث، التي تتيح للمستخدم الاتصال بشبكة الإنترنت عبر الجوّال، مما يعني فتح الباب لعدد كبير من الاستخدامات التي تحول جهاز الجوّال من جهاز اتصال عادي إلى وسيلة ثرية متعددة الاستخدامات بما فيها الترفيه بأنواعه، وهو كما هو معروف الأمر الذي جعل كثيرا من خبراء قطاع الاتصالات يتوقع عدة ثورات اقتصادية متتالية مرتبطة بهذا الجهاز الذي نحمله في أيدينا أينما ذهبنا.
لكن شركات الاتصالات وقفت أمام أزمة حقيقية اسمها المحتوى، فهذه الخصائص التكنولوجية التي كلفت الكثير من البناء والتسويق يجب أن يبرر للجمهور استخدامها، تماما عندما نشتري جهاز التلفاز وننتظر وجود القنوات التلفزيونية، وشركات الاتصالات بنت التكنولوجيا وبدأت بعدها في البحث عن المحتوى.
ما يوجد حاليا هو محتوى أعد في الأصل للتلفزيون، وتتم أقلمته بشيء من الجهد لصالح شاشة الموبايل، ولذلك يكون المحتوى ضعيفا، ولم يسمع الجمهور حتى الآن بضجة حول شيء تم بثه على الموبايل بسبب هذه المشكلة، وذلك لأن شاشة الموبايل شاشة صغيرة يجب أن يتم التصوير بشكل خاص بما يتناسب معها، ولأن محتوى الموبايل يجب أن يكون قصيرا ومتناسبا مع عادات الشخص الذي يستخدم الموبايل بشكل يختلف عن مشاهدة التلفزيون أو استخدام الإنترنت من خلال جهاز الكمبيوتر.
لهذا السبب عملت مع الكاتب والمخرج المبدع ثامر الصيخان على تأسيس وحدة خاصة بالإنتاج الدرامي والبرامجي لصالح الموبايل تحت مظلة مجموعة MBC، حيث سيتم تصوير خمسة مسلسلات هذا العام، انتهينا من أولها (بطولة حسن عسيري)، بحيث تكون خاصة بالاستخدام من خلال شبكات الجيل الثالث على جهاز الموبايل.
لقد تأسست بعض المعايير العالمية التي ستجرب لأول مرة عربيا من خلال هذه المسلسلات حول طريقة الكتابة والتصوير والإخراج للموبايل، حيث يكون التركيز على الوجه أو نقطة الحدث أكبر، وحيث يكون التركيز على الخلفيات أقل بكثير، حتى لا تشوش الشاشة الصغيرة، وتكون سرعة الانتقال من شاشة إلى أخرى مختلفة، ويتم الاعتماد على زوايا مختلفة للتصوير، ويكون النص أكثر سرعة وأكثر تركيزا دراميا أو كوميديا.
تطبيق هذا كله ليس بالصعب إذا تمت الاستفادة من التجربة العالمية، ولكن ما هو صعب وغير متوافر هو فهم مستخدم جهاز الجوّال، ماذا يريد وماذا لا يريد، كيف يحب استهلاك محتوى معين، هل ما يضحكه على شاشة التلفزيون سيضحكه على شاشة الموبايل، هل هو مستعد للمشاهدة لربع ساعة؟ هل يحب المحتوى السريع؟ هل يحب برامج المسابقات؟ هل يحب المشاهدة فقط أو يحتاج إلى التفاعل مع المحتوى؟ إلى آخر ذلك من الأسئلة العديدة جدا التي لا نملك إجابات عنها بحكم عدم وجود التجربة السابقة وبحكم أن المستخدم الأوروبي مثلا مختلف عن المستخدم العربي.
البدء بتجربة المسلسلات الكوميدية السعودية المنتجة للموبايل سيسهم في الحصول على إجابات عن هذه الأسئلة، وعندما يزداد عدد الشركات الإنتاجية التي تدخل هذا المجال، فإن التجربة الجماعية الإعلامية والدرامية حول هذا الأمر ستزيد، وتصبح لدينا أجوبة مما سيسهم في تطوير المحتوى المنتج للموبايل، تماما كما حصل في حال التلفزيون أو الراديو قبل عدة عقود من الزمن.
هناك أمر آخر يميز المحتوى الخاص بالموبايل ويجعله قطاعا تجاريا مربحا ومغريا ومفتوحا للمنافسة، وهو أن طريقة الحصول على الدخل فيه سهلة وواضحة. في حالة التلفزيون والراديو والصحف والإنترنت، عليك أن تؤسس الوسيلة الإعلامية، وتسوقها، ثم تجلب الإعلانات وتحقق دخلك الأساسي من الإعلانات. في حالة الموبايل، تحصل الجهة المنتجة للمحتوى على دخلها بشكل مباشر مع أول استخدام للمحتوى بحكم أن شركات الاتصالات تدفع نصيبا من الدخل الذي تحققه فئات المحتوى للجهات المنتجة لذلك المحتوى (سواء كان مسلسلا أو نغمة جوّال أو لعبة فيديو أو غيرها).
هذا طبعا لا يعني أن مجرد الإنتاج للمحتوى الجيد كفيل بتحقيق الدخل، بل إن المسألة الصعبة جدا هنا هي التسويق، خاصة أن المستخدم لديه اليوم آلاف الخيارات ليختار منها وجذبه لاختيار مسلسل معين لمشاهدته على الجوّال أمرا ليس بالسهل ويحتاج إلى حديث آخر مفصل.
أسوأ نتيجة ممكنة لهذه الفرصة المميزة هي ظهور كميات من المحتوى التجاري الرخيص غير الجذاب والذي يسيء لخبرة المستخدم مع المحتوى على الجوّال، كما يسيء لأولئك الذين عملوا على المنتج المميز عالي الجودة، والحل طبعا هو وجود فلترة مميزة من شركات الاتصالات لما يتم بثه.
لو تدبرت الأمر قليلا فستجد أن شركات الاتصالات تتحول اليوم – بطريقة ما - إلى شركات إعلامية!