حتى لا تكون قمة الفرص الضائعة

[email protected]

منذ أن تحولت القمة العربية من مجرد اجتماع يوصف بالطارئ يتنادى له العرب كلما ألمت بهم نازلة أو واجهوا مشكلة، وما أكثرها، إلى عمل مؤسساتي منظم باسم مؤسسة القمة تعقد دوريا في تاريخ محدد من كل عام، وقد كان ذلك مقترحا من الرئيس حسني مبارك، كان يؤمل أن تحدث هذه النقلة التنظيمية حيوية للعمل العربي المشترك وروح التضامن العربي من خلال إرساء آلية عمل هي عبارة عن سلسلة مترابطة كل منها تستند إلى الأخرى، وجاءت قمة الرياض الماضية معبرة عن ذلك كله بالفعل، إلى أن جاءت قمة دمشق التي أنهت أعمالها أول أمس لتمثل تحديا بالغ الأهمية لكينونة القمة كمؤسسة سياسية عربية من ناحية، ولفاعلية ما تحقق وأنجز في قمة الرياض السابقة من ناحية أخرى، فهذه القمة في دمشق عقدت وسط أزمة سياسية عربية تمحورت حول وضع لبناني انقسم فيه اللبنانيون بين فريقين، موالاة ومعارضة، قاد إلى تعطيل انتخاب رئيس جديد لرئاسة الجمهورية. وبقاء لبنان بلا رئيس أدى لغياب تام له في هذه القمة في سابقة لم تحدث من قبل وهو بلد مؤسس للجامعة العربية بسبب عدم قدرته على انتخاب رئيس له يستغرب أن يكون متفقا عليه من الجميع، وكانت هذه بداية غير مبشرة لهذه القمة التي أطلق عليها قمة العمل العربي المشترك.
بعيدا عن أجواء الخلافات، والتي ليست استثناء وكادت أن تعصف بالقمة قبل أن تبدأ، لا بد أن يتساءل المواطن العربي: هل لدى القمة وقد تحولت لمؤسسة عربية سياسية القدرة على معالجة قضايا العرب الكبرى وهي عاجزة عن إصلاح بيتها من الداخل..؟ بالتأكيد لا يمكن لمؤسسة القمة أن تتصدى لمثل هذه القضايا وهي تغرق في تجاذبات عربية، فمن يعجز عن حلحلة صعوباته الداخلية، كيف له أن يعالج وبفاعلية مؤثرة قضايا مرتبطة بأزمات إقليمية ودولية..؟
من هنا وعلى وقع أجواء القمة بات واضحا بأن قمة دمشق تمثل مفترق طرق مهما إن لم يكن خطرا في تحديد للعمل العربي المشترك المرتكز على تضامن عربي حقيقي وعضوي وحيوي، والذي أسسته بنجاح وحددته برؤية واضحة قمة الرياض السابقة، ولو قارنا بموضوعية الفارق بين أجواء ونتائج القمتين السابقة في الرياض والمنتهية للتو في دمشق، لوجدنا أن الخطوات المتقدمة التي تحققت في قمة الرياض أعادتها أجواء قمة دمشق للوراء، وإذا كان نجاح قمة الرياض عائدا لتوافر أجواء إيجابية وقتها إلى جانب رئاستها ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والذي امتلك حس المسؤولية العربية وهو يتقلد رئاسة القمة، فإن هذه الرئاسة تنتقل بكل مسؤوليتها إلى الرئيس السوري بشار الأسد اليوم، ولدى سورية فرصة تاريخية عليها التقاطها ببراعة وبمسؤولية أيضا للمساهمة الفعالة في حل الإشكالات العربية بدءا من لبنان وهي المحك الأبرز والأكثر سخونة لقدرة سورية على ثقل مسؤولية رئاسة القمة. فالقمة عقدت في دمشق وتولت رئاستها وهو ما يعطيها لحظة تاريخية لن تتكرر، لأن تتخذ مواقف لن تتهم فيها بأنها خضعت لضغوط بقدر ما توصف بأنها قدرت مسؤوليتها، فرئاسة القمة خصوصا في ظل هذه الأوضاع العربية والإقليمية والدولية المتأزمة حاليا تستدعي التعامل معها بروح جماعية انطلاقا من عملية صادقة لإصلاح العلاقات العربية أولا، ومن ثم الانطلاق نحو تأسيس موقف عربي فاعل ومؤثر في قضايا المنطقة.
في المحصلة لا بد من القول إن مسؤولية دمشق وهي ترأس القمة على مدى عام قادم مسؤولية كبيرة وفارقة، فإذا سعت وأرادت سورية أن تكون رئيسة فاعلة للقمة للفترة القادمة فأمامها فرصة كبرى تستطيع من خلالها أن تؤكد ذلك، وهي أن تبدأ بحملة مصالحة عربية تبدأ فيها بنفسها، هذا إذا أريد لهذه القمة أن تكون قمة الإنجازات كما كانت قمة الرياض لا قمة ضياع الفرص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي