الاكتتابات القادمة
مما يحمد لهيئة السوق المالية في الآونة الأخيرة تسريع عملية الاكتتابات بشكل يكاد يكون متناغماً مع السيولة الكبيرة المتاحة في السوق ما وفر أمام المستثمرين حزمة جيدة من الخيارات. وفي الوقت ذاته رصد المراقبون التفعيل التدريجي لمواد الفصل السابع من " نظام السوق المالية " عندما أدخلت الهيئة تحسينات متوالية وملموسة على محتويات ومضامين نشرات الإصدار التي تسبق الطرح العام لتقديم صورة عادلة للمكتتبين ومستشاريهم عن الشركات المعروضة ما يساعدهم إلى حد ما في تحليل وتقدير عناصر المخاطرة ومن ثم اتخاذ قرار الاستثمار على بينة محسوبة. كما أن مما يحمد للهيئة أيضاً آلية التخصيص التي أقرتها للأسهم المطروحة في الاكتتابات الكبيرة كشركة "زين" التي مضت, ومصرف " الإنماء " المقبل, وغيرهما. تلك الآلية التي باتت تراعي, في تحيز محمود, الطلبات الصغيرة واستيفاءها قبل إتاحة الفرصة أمام أصحاب الأرصدة الكبيرة من المكتتبين.
لكن في خضم تلك الإيجابيات هناك ملاحظات حول جوانب قصور يجدر طرحها لعل هيئة السوق المالية تتداركها وتبادر إلى معالجتها في الاكتتابات المقبلة. من بين تلك الملاحظات عدم التزام مديري الاكتتابات بالإفصاح اليومي عن سير العمليات وإطلاع الجمهور على كل البيانات المتاحة كعدد المكتتبين, المبالغ التي تم تسديدها, عدد الأسهم التي تم الاكتتاب بها, معدل تلك الأسهم لكل مكتتب, إلى آخره. ذلك أن الإفصاح اليومي عن سير عمليات الاكتتاب يعد مصدر معلومات مهما للمكتتبين يحفظ مبدأ المساواة بينهم, ومن ثم لا ينبغي أن يترك تقديره لمدير الاكتتاب أو غيره وإلا سنكون قد وفرنا بيئة للمحاباة والفرص غير المتكافئة وهو مسلك يعاقب عليه نظام السوق كمخالفة لمادتيه الخامسة والتاسعة والأربعين. إن ضعف الإقبال على اكتتاب ما في يومه الأول أو الثاني ليس مبرراً كافياً, كما قد يرى البعض, لإخفاء تلك المعلومة عن السوق, كما أن محدودية الأسهم المطروحة للاكتتاب أو قصر فترة الاكتتاب ليست عذراً لمثل ذلك التعتيم.
لذا قد ترى هيئة السوق المالية المبادرة إلى وضع ضوابط ومعايير للإفصاح عن سير عمليات الاكتتابات الأولية مع وضع آلية دقيقة للمتابعة ومعالجة ما قد يظهر من خلل في حينه لئلا يتضرر الجمهور على أن تستكمل التحقيقات في وقت لاحق. ولعل من المؤشرات التي تستحق المراقبة في ذلك السياق التسهيلات المالية التي تمنحها المصارف لبعض كبار عملائها في الدقائق الأخيرة للاكتتاب مقابل تكلفة زهيدة وشروط ميسرة متاحة فقط لتلك "النخبة" دون بقية السوق. لقد حان الوقت لكل مدير اكتتاب أن يدرك أن دوره لا يقتصر على جمع أموال المكتتبين والاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة, أو استخدام فترة الاكتتاب لإغراق السوق بحملة دعائية عن إنجازاته وما حصد من جوائز.
أما الجانب الآخر في عملية الاكتتابات الذي يجدر بهيئة السوق المالية الالتفات إليه ومعالجته فهو المعاناة التي يلقاها المواطن بسبب حصر استقبال طلبات الاكتتاب على عدد محدود من المصارف سواء كان ذلك في الاكتتابات العامة أو فيما يسمى "أسهم حقوق الأولوية" المتاحة أمام مساهمي الشركة فقط عند زيادة رأسمالها. إذ إن قصر تلك العمليات على عدد محدود من المصارف يشكل تلقائياً صعوبة للكثير الذين يحتفظون بحساباتهم في مصارف غير تلك التي تم اختيارها. ذلك أنهم يجدون أنفسهم أمام بدائل أحلاها مر, فإما أن يضطروا لفتح حساب جديد لدى المصرف المعتمد لاستقبال طلبات الاكتتاب وما يصاحب ذلك من إجراءات مطولة وتقديم مستندات بل والإذعان لإرادة المصرف بإيداع حد أدنى من المال كي يُفتح الحساب, أو الاكتتاب بتقديم شيك مصرفي مصدق بكامل القيمة ثم الانتظار لمدة أسبوعين أو ثلاثة زيادة على بقية المكتتبين لاسترداد الفائض وما يمثله ذلك من خسارة وتفويت فرصة لاستخدام تلك المبالغ في اكتتابات أخرى. أما البديل الآخر فهو الامتناع عن المشاركة في كثير من تلك الاكتتابات ولاسيما أن الأسهم المخصصة فيها باتت قليلة لحد لا يبرر كل تلك المعاناة.
إن المصارف السعودية تمتلك تقنيات عالية وترتبط ببعضها البعض بشبكات إلكترونية للتحويلات النقدية والمدفوعات ما يجعلها قادرة فنياً على استقبال طلبات الاكتتاب من عملائها في أي طرح عام. كما أن هناك زيادة مطردة في أعداد المشاركين في السوق ومن مناطق جغرافية مترامية. وعليه فإن حصر بعض الاكتتابات على مصارف معينة بحجة التكلفة, العمولات, أو ما شابه لم يعد له محل ولا يمكن القبول به إذا نظرنا إلى الكفة الأخرى من الميزان وهي مصلحة المواطن وتخفيف معاناته وفي الوقت نفسه توسعة الساحة المتاحة له للمشاركة في تلك الاكتتابات.
إننا نتطلع إلى أن تكون الاكتتابات القادمة, مهما كان حجمها أو تصنيفها، متاحة عبر جميع المصارف دون تمييز مع الالتزام بمعايير الإفصاح الكامل منذ انطلاقة الاكتتاب حتى خط النهاية.