خبير اقتصادي ولكن فقير!
خبير اقتصادي كبير، وأستاذ في الجامعة، ومستشار لعدد من كبريات الشركات، ولكن دخله الشهري لا يغطي مصاريفه وحاجاته الأساسية! هذا هو حال الكثير من خبراء الاقتصاد في العالم!
والسؤال.. لماذا وصل حال العديد من خبراء الاقتصاد إلى هذا؟ وما الذي يجب أن نفهمه؟
لا شك أن المال "عصب الحياة " ولا يوجد أفضل من خبراء الاقتصاد لإعداد البحوث والدراسات المالية لتنمية رؤوس الأموال، ولكن هل يعني هذا أنهم قادرون على إدارة وتنمية الثروات والمقدرات؟
وهل هم قادرون على قيادة الشركات المالية والاستثمارية ؟ أو بمعنى آخر "هل التخصص يكفي للقيادة؟".
فمن خلال بحثي المتواصل في الإدارة والقيادة وتجربتي في عالم الأعمال، يتضح لي وللمتأمل، أن الإدارة أمر يختلف تماماً عن النظريات الاقتصادية والحلول المالية، وتنويع مصادر الدخل، والمخاطر، وغيرها.
فلو نظرنا إلى خبراء الاقتصاد في كل مكان من العالم لوجدنا أن نسبة الاقتصاديين الذين يعملون في المناصب العليا في الشركات "الناجحة" قليل جداً! إذاً فأين يتواجدون؟ وما هو مكانهم الصحيح؟
نجدهم في الجامعات يعلمون الأجيال ويعدون البحوث وهذا من أسمى الأعمال، ويقومون أيضا بإعداد الدراسات للاقتصادات والأسواق في شركات الاستشارات وهذا عمل مهم كذلك، لكن أن يعين في السلطة العليا في إحدى الشركات لخبرته الاقتصادية فهذا خطأ كبير!
وقد لاحظت عدداً من شركاتنا المالية كررت ذلك الخطأ "شركات الوساطة كما تسمى لدينا وهذا من الأخطاء أيضاً فبعضها بنوك استثمارية وأكثرها خدمات مالية وبينها استشارات مالية" وكأننا نكرر ما تقوم به بعض الدول في العالم الثالث حين تسلم وزارة الصحة لأحد الأطباء المتميزين، ووزارة التعليم لمعلم، ووزارة الكهرباء لمهندس! وهذا نتاج عقدة قديمة!
فالمتخصصون مهمون وخبراتهم لا غنى عنها، بل إن أدوات النجاح مرتبطة بهم، ولكن بشرط أن يكونوا مستشارين أو مسؤولين عن إدارات البحوث والدراسات، أما القيادة فتحتاج إلى مهارات قيادية قوية، وخبرات عملية، فالقائد الناجح يصلح أن يكون وزير صحة أو رئيس شركة أو مدير قطاع تنموي، ولكن المرجعية العلمية ليست هي التي تجعل المتخصص يستطيع قيادة الناس، واتخاذ القرارات، وتوزيع المهام والموارد، والعمل وفق رؤية وأهداف واضحة ومحددة ويسخر جميع الممتلكات للوصول إليها، فمثلاً سليمان الراجحي ليس خبيراً اقتصاديا، ولكنه يقود بنكا من أكبر البنوك الإسلامية، ووارن بوفيت الذي أصبح اليوم "أغنى رجل في العالم" يقول إنني لا أتقن العمليات الحسابية التي يقوم بها المتخصصون في الاقتصاد والاستثمار والتمويل، ولست على دراية بعلوم أسواق الأسهم، وليست لدي شاشة عرض أسعار في مكتبي، ومع ذلك فهو أعظم مستثمر في العالم! حيث إنه قبل أن يتملك أسهماً في أي شركة مدرجة في البورصة فإنه يتعامل مع السهم وكأنه يريد أن يتملك الشركة بالكامل ولعشرات السنين، لذلك فهو ينظر لها من نظرة تجارية إدارية بحتة حتى أنه يقوم باستخدام منتجاتها ويزور فروعها ومواقعها ويشاهد كيفية تعامل منسوبيها مع العملاء وبعد ذلك يقرر تملكه حصة في هذه الشركة أم لا. والحقيقة أن العلوم الإدارية مهمة جداً ويجب أن يتعلمها من أراد إدارة جهاز إداري ما، ولكن المهارات الشخصية والموهبة الربانية والخبرات العملية المتعددة هي الأهم، إذاً هي القيادة، وهي القدرة على اتخاذ القرار، وهي "عملية تحريك الناس نحو الهدف" كما يعرِّفها الدكتور طارق السويدان، وللملك فهد ـ رحمه الله ـ رأي مهم في هذا الموضوع حيث يقول: "في تقديري أن الشهادة العلمية أساس يعتمد عليه الإنسان بعد عون الله عز وجل، ولكن الاهتمام الأساسي على عقلية الإنسان، والجامعة الكبرى هي جامعة الحياة".
لذلك يجب أن نعيد النظر جيداً، نظراً للخطورة المترتبة على هذه الأخطاء التي أكثر من يدرك حجمها هم الاقتصاديون أنفسهم، وغالباً لا تظهر النتائج السلبية إلا بعد فترة طويلة، فمن يرأس شركة استثمارية مثلاً أو صناعية أو عقارية ذات رأس مال كبير "مليار ريال وأكثر" سيقدم عددا من المشاريع وسيحقق الأرباح، خصوصاً في الدول التي تمتلك الكثير من الفرص كالسعودية والخليج، ولكن.. ماذا عن الخطط الاستراتيجية؟ ماذا عن النمو؟ ماذا عن الحصص السوقية والمنافسة؟ ماذا عن الثروات البشرية القوية، والمسؤولية الاجتماعية وطرح البدائل الاستثمارية وخدمة الاقتصاد الوطني؟
فهناك الكثير من الأمور المهمة والمرتبطة بحسن القيادة وليس الأمر مقتصراً على الربح القصير الأجل، والسؤال المهم .. هل سيكون الاعتماد على فرص السوق المتاحة أمامنا اليوم؟
إذا كان الوضع هكذا فهناك مثل يقوله آباؤنا "جود السوق ولا جود البضاعة"، ولكن.. في حال تغيرت الأوضاع وضعفت الفرص ما الذي سيحدث؟! هل سيتم جلب خبراء اقتصاديين آخرين! لدراسة الأوضاع وطرح الحلول؟!