وسط المخاوف تكمن الفرص
يروي روبرت كيوساكي في كتابه "الأب الغني والأب الفقير" (2000م) كيف أن صديقاً له جاء يحذره من الكساد القادم في سوق العقار والأسهم نظراً للارتفاع المتوقع في أسعار البترول، وأخذ يثبت له صحة توقعاته بقرب ارتفاع أسعار النفط. فما كان من روبرت إلا أن اشترى على الفور 15 ألف سهم في شركة بترول، لترتفع قيمتها بعد أشهر قليلة إلى خمسة أضعاف. فلماذا لم ير الصديق أن تحليله (الصحيح) كان فرصة استثمارية بدلاً من مؤشر كساد؟
واليوم يتكرر الكثير من التحذيرات بشأن زيادة الأسعار، والتضخم المتزايد، وعدم استقرار سوق الأسهم، ولعل هذه فرص استثمارية ينبغي استثمارها. ربما لا تكون هذه دعوة للتفاؤل أو رؤية الجانب الإيجابي إلى جانب السلبي، بل هي فرص يستفيد منها القلة وتفوت على الكثرة. ربما أرى الكأس نصف ملأى ولكن هناك بعض المستثمرين لا يرون الكأس بأكملها.
أفضل فرصة للشراء عندما تنهار الأسعار، وأفضل وقت للطلب عند تزايد العرض. هذه مبادئ علم الاقتصاد، ولكنها تضيع وسط ويلات التخوف، والتشاؤم.
هناك تنبؤات تقول إن النفط سيصل في أشهر قليلة لنحو 200 دولار، وإن سوق العقار سيشهد نمواً كبيراً، وستشهد معدلات النمو في دول الخليج ارتفاعاً يراوح بين 5 في المائة و10 في المائة، فأين نحن من تلك الفرص؟ أغلبنا سينتظر حتى ترتفع الأسعار، ونصل إلى الطفرة حتى يركب موجتها، عندها سيكون الوقت متأخراً. إن اقتناص الفرص يبدأ بالاستعداد لها لا محاولة اللحاق بها.
والحقيقة أن القرارات الاستثمارية تحتاج إلى بيئة صحية لكي ينطلق المستثمرون من قاعدة آمنة تضمن عوائد استثماراتهم، وأنظمة تحمي مدخراتهم لئلا ينقض عليها "هوامير" الاستثمار فيبتلعونها مع غيرها، وهذا التخوف حقيقي، ولكنه يجب أن يكون دافعاً لا رادعاً للاستثمار. المستثمر الحقيقي هو من يخلق الفرص، وليس من ينتظرها فقط.
التجربة السلبية التي مر بها أغلب أو "كل" المستثمرين في السنتين الأخيرتين في سوق الأسهم ما هي إلا تصحيح لوضع غير طبيعي، وهذا التصحيح (في المفاهيم أولاً) عامل مهم لجدية الاستثمارات وواقعيتها وعوائدها، وينبغي أن يشكل جزءاً مهما من التجربة الاستثمارية لكل تاجر، فدخول سوق (أي سوق) ينطوي على نسبة معينة من احتمالات الخسارة، تزيد أو تقل حسب خبرة المستثمر، وأنظمة السوق، ونفسيات المتعاملين فيه، ولكنها بالتأكيد موجودة في كل سوق.
التجارة مغامرة قبل كل شيء، وحسب مذكرات الكثير من سلاطين المال، فإن الإفلاس جزء مهم من السيرة المالية لهؤلاء التجار / المغامرين، وهو إضافة إلى تصحيح مسار المستثمر، يسهم في إضفاء واقعية مطلوبة على حسه الاستثماري، ويزيد من تحفظاته وحساباته، ولكنه لا يلغي جانب المغامرة في التجربة الاستثمارية. فكل تاجر مغامر، وليس كل مغامر تاجراً.
ولو أردت تبسيط العملية بشكل مخل لشبهت التجارة بلعبة رياضية، حيث تزيدك الخسارة خبرة ومعرفة بمواطن الضعف، وقربا من الفوز، ولكن إذا تكررت الخسائر فمعنى هذا أن اللاعب / الفريق لم يستفد من التجارب السابقة، ويستخلص منها العبر للمرور منها إلى الفوز. فمن يلعب بالطريقة نفسها سيجد النتيجة نفسها. وكذلك من يستثمر بالطريقة نفسها فسيصل إلى النهاية نفسها. فعلم المنطق يخبرنا أنه إذا وفرت المعطيات نفسها فستحصل على النتيجة نفسها. ولازال كثير من المستثمرين يتعاملون في السوق بنفس الطريقة التي كانوا يتعاملون بها في مرحلة ما قبل شباط (فبراير) 2006، وعليه فسيحصلون على نتيجة ما بعد هذا التاريخ نفسها.
ليس هدفي هنا تشجيع الدخول في سوق الأسهم، وإنما محاولة عرض الصورة كاملة للاستثمار، والمخاطر التي يحتويها بطبيعته. وهناك فرص استثمارية كثيرة داخل سوق الأسهم أو خارجه، ولكن تحتوي كل منها على نسبة محتملة من المخاطرة ينبغي على كل من يروم الدخول فيها أخذها في الاعتبار، وعدم الإحجام عن الاستثمار بسببها، فهي جزء طبيعي منه.