" التشديد في إصدار الحجج أو الطوفان"
تناقلت الصحف قبل مدة قصيرة صدور أمرين ساميين, يقضي الأول بمنع إصدار حجج الاستحكام داخل حدود الحرمين الشريفين – مكة المكرمة والمدينة المنورة -, كما يمنع إقامة الدعاوى ضد البلديات بخصوصها, ويمنع الثاني من إصدار حجج الاستحكام في ضواحي المدن والقرى الرئيسية في المملكة, وضرورة التحقق من التملكات حين تقدم ذوي الشأن لبيعها, وسأتجاوز التعليق على مدلولات الأمرين ومدى دقة صياغتهما, والحاجة إلى توضيح بعض المصطلحات الواردة فيهما, ولعله يكون في مقال مستقل- إن شاء الله.
إلا أنهما يأتيان في سياق الإصلاح والتطوير والتنظيم المطلوب في موضوع الحجج والمنح, - وقد أشرت إلى أهمية صدور نظام يبين أحكامهما بوضوح في المقال السابق -, والمقصود هنا أنه لا بد من قلب وتغيير آلية إثبات التملكات لدى الجهات المعنية فبدلا من أن يقال إن الأصل هو أن الشخص يتقدم للمحكمة لطلب إثبات تملكه, وأن على الدولة إثبات عكس ذلك, ومن ثم فإنها تضطر إلى المحافظة على الأراضي بالتصوير الجوي والإزالة ومراقبة التعديات لئلا يتم الاستيلاء عليها, ومن المعلوم أن ذلك يكلف الدولة الكثير من الجهد والمال, ومع ذلك فقد يحضر صاحب الطلب شاهدين يشهدان على تملكه لأرض يعلم الجميع أنها في التاريخ الذي شهدا فيه 1387هـ لم تكن إلا فضاء يبابا لا ملك فيه, وقد يصدر صك بتملكه لها, إن السهولة في إجراءات الحجج وكون الأمر لا يتطلب إلا ملفا علاقيا وعددا من الأوراق وصورة البطاقة ورفعا مساحيا, وانتظار بضعة أشهر أغرى الكثير من الناس إلى الدخول في هذا المجال, بل واعتباره مهنة لهم, مدلسين على الجهات المعنية, وأُشغلت المحاكم في عمل ليس من اختصاصها, ونتج عنه الكثير من الدعاوى والنزاعات, وعرّض منسوبيها ومنسوبي الجهات ذات العلاقة كالبلديات لإشكالات لا تخفى.
ما أدعو إليه بصراحة: هو التشديد في موضوع الحجج والعدالة في توزيع المنح, ويكون التشديد في موضوع الحجج بجعل الأصل هو المنع – من مثل الأمرين المشار إليهما في أول المقال - وزيادة الاشتراطات في إخراجها لئلا يتقدم إلا من كان محقا, ومعاقبة من يثبت عليه التحايل والتدليس في هذا الموضوع, والمسارعة في إصدار التنظيمات التي تحفظ الأراضي وتمنع التلاعب فيها, ليتم تخطيطها وتنظيمها في مشاريع إسكانية توزع على المحتاجين.
...فإلا نفعل فللنتظر طوفان الدعاوى والنزاعات, وطوفان آثار ارتفاع أقيام الأراضي, وطوفان آثار الحاجة إلى أراض صالحة للتخطيط والتوزيع, وطوفان اللجان والمساءلات ...والإعفاءات.
قاض في وزارة العدل