آه.. يا الرياض!

[email protected]

عبر كل طلة أرى الرياض مختلفة متميزة .. هم يقولون: مزدحمة، وأنا أقول: رحبة فيها سعة للجميع ، هم يؤكدون أنها باتت أسمنتية قاتمة ، وحتى لو .. فلن تخلو من جمال وعبق، هواؤها لم يفسد وعبقها يزكم الأنوف .. هي الرياض .. المدينة الجميلة الدافئة الحنون .. هي مدينتي التي عرفت مولدي، والمستودع الذي احتضن طفولتي .. من كفيها شربت الماء، ومن خيرها تناولنا طعام الخير، ومن ترابها عرفنا معنى حب الوطن والتضحية من أجله.
الرياض هذه الأليفة التي لم تعد أليفة، الأنيقة التي لم تعد جميلة، الفضفاضة التي تعاني الضيق، المملوءة نوراً وتمدناً وحباً، وكل خلق الله.
تبهرني أحياؤها العتيقة، وتأخذني قدماي إلى هناك، أترجل وأسير بين ثنايا بيوت الطين، أقرأ تفاصيل السيرة الأولى هناك، الأماكن تأخذ التفاصيل نفسها، والحارات ما زالت تحمل العبق السابق .. نعم السكان ليسوا هم السكان، لكن المكان ما زال شاهداً وينتظر حكم القاضي.
الرياض البسيطة حارات صغيرة وأزقة ضيقة، كنّا نعتقد أن ليس هناك بمثل سعتها .. بين الوزير وثليم والدركتر والصالحية والبطحاء لا بد من أن تلتقي الخطوات لأهلها ومن أراد سكنها .. لا تفتأ أن تشاهد سلمان بن عبد العزيز بكل الحب والبساطة وهو يلوح من سيارته بيده ليرد التحية، ولن يخلو الموقف أحياناً من وقوفه والتعاطي مع الرجال في أمور الدنيا، والسعي لرضا الخالق .. كلها كانت لذيذة لا يعكرها تشدد، ولا يؤلمها فوقية .. هي الرياض .. جميلة بتعرجات شوارعها ومنظر النساء المكتسيات السواد، والرجال المتسارعي الخطى .. .. لم تعد كما كانت .. لكنها ما زالت جميلة، حتى لو اصطكت شوارعها وكثرت عمالتها، وتغرب ساكنوها.
الرياض قطعة من حياتي، ومتوائمة مع روحي .. تتماشى مع دمي .. علمتنا كيف نحب ونعفو، ولم تفرض علينا أن نقسو ونرفض أولئك غير المحبين لها هم من أراد ذلك .. هي لم ترد، لأنها كانت وادعة نبيلة عفيفة.
مدينتي الحبيبة تحتاج إلى أن تتنفس بعدما كثر خانقوها. فأفسحوا لها في الطرق ووسعوا لها في المتنزهات .. أبعدوا عن وسطها تراكم البشر واجعلوا من أطرافها مقراً للعمل.. دعوها تتنفس وأعيدوها سيرتها الأولى التي كانت فيها مصدر العبق ومتنفس الضائقين ..
وآه يا الرياض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي